لا أكاد أصدق أن سوق العمل الأمريكي، الفريد من نوعه، نجح بالفعل في توفير أكثر من 500 ألف وظيفة خلال شهر واحد فقط، وبالرغم من هذا الرقم الفلكي الذي لا يصدق، فإن الطلب الفعلي على العمالة جاء أقوى من التوقعات بثلاث مرات تقريبًا، وربما يكون هناك خطأ في القياس، لكنه خطأ سيمنح الاحتياطي الفيدرالي الكثير من الثقة إزاء تقليص أسعار الفائدة خلال فترة أطول، فالاقتصاد يخلق فرص عمل بوتيرة سريعة، ولا تظهر أية علامة على تراجع سوق الوظائف استجابة لرفع الفائدة بأكثر من 400 نقطة أساس.
والواقع، أن أصحاب العمل متحفظون جدًا في التخلي عن العمال الذين كافحوا كثيرًا للتعيين على مدى العامين الماضيين، بالرغم من بعض التخفيضات الكبيرة في وظائف قطاع التكنولوجيا، وبطبيعة الحال، لا يمكن الحصول على هذا النوع من المفاجأة الإيجابية إذا كان الركود وشيكًا، لذلك نعتقد أن الحديث الرسمي عن الانقلاب في سوق العمل الأمريكي ينهي مخاوف الركود في أكبر اقتصاد عالمي، بل إن تقرير الوظائف الأمريكي لشهر يناير قد يكون عامل تغيير في قواعد اللعبة، لأن الثقة ستزداد الآن في القدرات الاستثنائية لسوق العمل الذي لا يزال حارًا، وهذا يعنى أن انهيار الاقتصاد الأمريكي قد جرى تضخيمه بشكل كبير.
لا شك أنه تقرير سار جداً للأسر العاملة، فقد ارتفعت أجور يناير بنسبة 1.5٪ (المعدل السنوي 20٪)، وهذا سيساعد العائلات على اللحاق بالأسعار المرتفعة التي يكافحون في دفعها، لكن، الاحتياطي الفيدرالي يعتبر هذه الرواتب السمينة مشكلة قد تجعله يختار رفع أسعار الفائدة قليلاً بدلاً من خفضها في وقت لاحق، كما تتوقع الأسواق، والحقيقة، أن الفيدرالي يبذل قصارى جهده لإبطاء الطلب على العمالة من خلال رفع أسعار الفائدة، حيث يعتقد أن سوق العمل قد يكون ضيقًا لدرجة أن الشركات ستضطر إلى زيادة الأجور لجذب العمال الذين تحتاجهم والاحتفاظ بهم، وهذا يعني أن الشركات سترفع أسعار بيعها لتغطية فواتير رواتبهم، مما يؤدي إلى دوامة مخيفة من الأجور والأسعار.
لا ينبغي أن يشعر الاحتياطي الفيدرالي بالإحباط إزاء زيادة ساعات العمل في يناير، لأنها ستساعد في تقليل نقص المعروض من العمالة في القطاعات التي يكون فيها التضخم أكثر تهديدًا مثل الخدمات الغذائية، والإقامة الفندقية، والبناء، والرعاية الصحية، والتعدين، وعلى أية حال، فإنه من المرجح الآن أن يضمن هذا التقرير القوي زيادتين إضافيتين على الأقل بمقدار 25 نقطة أساس في معدل الأموال الفيدرالية، واحدة في مارس والثانية في مايو هذا العام، وإذا كان جيروم باول وعد الأمريكيين بأن معركته ضد التضخم ستكون مؤلمة، فقد تحمل العمال العبء الأكبر في هذه المعركة المصيرية، والآن، بدأوا للتو في سحب رؤوسهم فوق الماء من أجل النجاة.