شهد هذا الأسبوع تطورات هامة متعلقة بالاقتصاد المصري من ناحية، وبمستقبل الجنيه المصري في السوقين الرسمية والموازية من ناحية أخرى.
وتوقع أحد المسؤولين المصريين كشف في تصريحات لـ"اقتصاد الشرق" عن أنه من المستبعد أن يقوم صندوق النقد الدولي بمراجعته لبرنامج مصر في سبتمبر الحالي كما كان مقرراً سابقاً.
فيما صعد المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية لمستويات قياسية متجاوزًا 19 ألف نقطة للمرة الأولى في تاريخه خلال تعاملات هذا الأسبوع، مدفوعًا بزيادة الاستثمارات المحلية نتيجة تخوف المصريين من تحرير جديد لسعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وفي الوقت نفسه، توقع البنك السويسري الشهير، كريدي سويس، في تقرير حديث له، إعلان الحكومة عن صفقات جديدة تصل قيمتها مليار دولار قريبًا، في إطار برنامج الطروحات الحكومية الذي تنفذه الدولة في الآونة الأخيرة. بجانب تمسكه بتوقعاته بشأن انخفاض الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية.
تأجيل مراجعة الصندوق
استبعد مسؤول حكومي مصري قيام صندوق النقد الدولي بمراجعته لبرنامج مصر في سبتمبر الحالي كما كان مقرراً سابقاً".
وأوضح المسؤول أنه "لا موعد محدد للزيارة حتى الآن، لكنها ستتم هذا العام"، ما يؤشر إلى احتمال خفض سعر الجنيه مجدداً قبل نهاية 2023، وفقًا لما أفادت به "اقتصاد الشرق".
وفي ديسمبر الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على برنامج مدته 46 شهراً لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، على أن يخضع البرنامج لمراجعتين سنوياً حتى منتصف سبتمبر 2026، بإجمالي 8 مراجعات. المراجعة الأولى؛ التي سيُصرف على أساسها الشريحة الثانية من القرض، كان يُفترض أن يتم منتصف مارس الماضي، وهو ما لم يحدث حتى الآن، نظراً لتأخر الحكومة بتنفيذ برنامج الطروحات، وعدم اتسام سعر صرف الجنيه بالمرونة اللازمة، وكان من المفترض أن تتم تلك المراجعة في سبتمبر الحالي، لكن يبدو أنها معرضة للتأجيل مجدداً وفقاً لكلام المسؤول.
وقال المسؤول أيضًا، إن الحكومة قامت بتنفيذ عدد من الإجراءات المطلوبة من قِبل صندوق النقد الدولي، ومنها طرح عدد من الشركات الحكومية؛ "وهو ما قد يسهل الاتفاق مع الصندوق على تأجيل بعض الطلبات الأخرى".
المصريون يتحوطون من انخفاض الجنيه
واصل مؤشر البورصة المصرية الرئيسي اختراقاته القياسية خلال تعاملات هذا الأسبوع، حيث تجاوز مستوى 19 ألف نقطة لأول مرة على الإطلاق، بدعم من تحوط المستثمرين المحليين الذين يتحوطون من انخفاض متوقع في قيمة الجنيه المصري بفعل الشح في العملات الأجنبية بالبلاد.
أغلق المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية يوم الخميس مرتفعاً 0.8%. عند مستويات 19375 نقطة لأول مرة في تاريخه، بدعم من ارتفاع القيادي سهم التجاري الدولي بنسبة 0.2% وارتفاع سهم الشرقية للدخان (EGX:EAST) بنسبة 2.8%.
وعلى مدار الأسبوع، ارتفع المؤشر الثلاثيني بنحو 2.7% محققاً سادس مكاسب أسبوعية على التوالي.
وقال الاقتصادي المصري، هاني جنينة، إن "التحوط من سعر الصرف والتضخم، أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع مؤشر البورصة المصرية، بجانب صفقات الاستحواذ التي أعلنت عنها الحكومة الفترة الماضية، ونتائج أعمال الشركات المرتفعة خلال الربع الثاني".
توقعات انخفاض الجنيه
قال البنك السويسري الشهير، كريدي سويس، في تقرير حديث له، إن الحكومة المصرية بصدد الإعلان عن صفقات جديدة تصل قيمتها مليار دولار قريبًا، في إطار برنامج الطروحات الحكومية الذي تنفذه الدولة في الآونة الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، توقع البنك أن تتضمن الإجراءات الحكومية تخفيضًا محتملًا للجنيه ضمن برنامج الدولة لدعم السيولة الدولارية. حيث أبقى على نظرته السلبية بشأن النظرة المستقبلية لسعر صرف الجنيه، بسبب تراجع تدفقات موارد النقد من بعض مصادرها واتجاهها للسوق السوداء أو الموازية.
وتوقع تقرير، كريدي سويس، انخفاض قيمة الجنيه المصري بواقع 20%، فيما لم يستبعد أن تزيد على ذلك في ظل الأوضاع الحالية، خاصة أن السوق الموازي يسعر وفق خفض 40%.
وكان المصرف السويسري قد توقع في مايو الماضي، أن يشهد الجنيه خفضا جديدا خلال الـ 3 شهور التالية للتقرير إلى مستوى بين 45 و50 جنيها قبل أن يتعافى بنسبة 25% و30% على مدار فترة 12 شهرا، في حال نجاح الحكومة في إحراز تقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وأضاف تقرير البنك أن الأكثر من ذلك أن مستهدفات جذب استثمارات أجنبية مباشرة واستثمارات المحافظ المالية سيكون من الصعب تحقيقها ما لم يحدث تخفيض للجنيه.
وبحسب كريدي سويس، لا يزال توقيت أي تخفيض لقيمة العملة "غير مؤكد إلى حد كبير"، لكن البنك يرى من وجهة نظره، أن ذلك أمر لا بد منه، وذلك لأن الوضع الراهن غير مستدام ودعم صندوق النقد الدولي مشروط به.
وعلى الجانب الآخر، قالت شيرين الشواربي، مساعدة وزير المالية المصرية السابقة، إنه من المتوقع حدوث خفض آخر لسعر الصرف، تحديدا بعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيؤدي إلى حدوث تفاقم في الديون.
حركة بالسوق السوداء
ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء في مصر بشكل طفيف خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك على وقع ظهور أنباء بشأن تأجيل مراجعة البرنامج التمويلي المتفق عليه بين مصر وصندوق النقد الدولي.
وأفاد أحد المسؤولين المصريين، بجانب أحد خبراء الاقتصاد، بأن مراجعة الصندوق، التي كان من المتوقع أن تتم في سبتمبر الحالي، قد يتم تأجيلها.
كان من المقرر أن تتم هذه المراجعة في مارس الماضي، ولكنها لم تتم حتى الآن لعدم وفاء مصر بشروط صندوق النقد، وفقًا لتقديرات الخبراء.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للتبريد (DFM:TABR) المركزي (تبريد الإماراتية)، خالد المرزوقي، في هذا الشأن، إن شركته تدرس دائما فرصا بمصر وغيرها، لكن فرق سعر الصرف دفع الشركة للتريث للوقوف على حلول مناسبة بشأن استمرار أعمالها هناك، وهذا الأمر وفق قوله "هو استراحة محارب وليس تخارجا"، في تصريحات لـ (سي إن بي سي عربية).
وفي غضون ذلك، ظل سعر الصرف الرسمي ثابتا عند حوالي 30.90 جنيه للدولار منذ أشهر، بينما ارتفع سعر الدولار أمام العملة المصرية في السوق السوداء إلى مستويات الـ 40 مجددًا، حيث يتراوح بين مستويات الـ 38 والـ 40 جنيه للدولار الواحد خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك بعدما كان يتراوح خلال الأيام القليلة الماضية بين مستويات الـ 38 والـ 39 جنيه للدولار فقط.
والجدير بالذكر أن دولار السوق السوداء كان قد ارتفع إلى مستوى الـ 41.5 جنيه للدولار الواحد، ولكنه انخفض من هذا المستوى إلى مستويات أدنى الـ 40 بعد أنباء انضمام مصر لتكتل بريكس، وهو التكتل الذي يهدف إلى تقوية تبادل التعاملات التجارية بالعملات الوطنية، وتخفيف الاعتماد على الدولار بين الدول المشاركة فيه، وأهمها دول التكتل الأساسية وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وبشكل عام، يتراجع الدولار، والعملات الأجنبية، في السوق السوداء كلما كانت هناك أنباء مطمئنة حول وضع الاقتصاد المصري، أو صدور توقعات من مؤسسات وبنوك دولية تفيد بعدم تراجع الجنيه في القريب العاجل، حيث يرتفع العرض ويقل الطلب في هذه الحالة. والعكس صحيح، يرتفع الدولار والعملات الأجنبية ويزداد الطلب كلما كانت الأنباء سلبية وغير مطمئنة بشأن الاقتصاد ومستقبل الجنيه.