عصر الألفية الجديدة هو عصر التشتت والقدرة على لفت الانتباه ، وهذا دور المسوق الذي يستطيع أن يسرق انتباهك للحظات من تدفق لا نهائي من المشتتات
فيليب كوتلر
عام 1973 كان أول استخدام للفأرة الإلكترونية ( Mouse ) في الحواسيب ومنذ تلك اللحظة أصبح تلقين الأوامر أسهل فبدلاً من الكتابة على لوحة المفاتيح من أجل تنفيذ ما نريده أصبح بإمكاننا النقر على ما نريد هذه الفكرة ساهمت على رأي عدة من مسوقي ذلك العصر بتسهيل إدخال الحاسب إلى كل منزل أميركي.
استخدمت الفكرة ابل (AAPL) عام 2008 عندما طرحت أول جهاز لها يعمل باللمس وبعيداً عن أي زر أو كتابة وبهذا كسحت أحد أعظم عمالقة الأجهزة في ذلك الوقت وهي شركة Nokia و Blackberry والتي قامت على نظام الكتابة بدلا من اللمس.
ذات الفكرة تكررت عندما أبدع تطبيق Instagram وتصدر عالم Social Media وذلك من خلال تقليله عدد النقرات ، في ظل وجود Facebook ليصبح الصراع اليوم في التكنولوجيا على تقليل عدد النقرات لأداء المهمة قدر المستطاع.
التحول من الكتابة إلى اللمس ومن اللمس إلى تقليل عدد اللمسات يسمى ضمن هندسة الأوامر ( order engineering ) (باختزال وقت الأداء) وهي تهدف إلى تقليل وقت أداء المهمة قدر المستطاع بهدف تسهيل تجربة المستخدم ، هذه الفكرة على الرغم من مدى قوتها في تغير ما يصل إلى 98% من شكل التكنلوجيا اليوم إلا أنها ساهمت بنسبة تصل إلى 70% من تغير سلوك المستخدم نحو الأسوأ وهنا نحن نتكلم عن رحم الاقتصاد السلوكي.
في ظل عصر أصبح فيها العادي غير ملفت للنظر وجذاب تسويقياً ، وفي ظل عصر أصبح فيه تدفق المميز على المستخدم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مفرط الارتفاع وخصوصاً الفديوهات القصيرة ( Reels ) ، وفي ظل تكنلوجيا قامت أساساً على جعل المهمة أسهل ما يكون للمستخدم ( اختزال وقت الأداء )، شكلت لدى المستخدم عادة تراكمت ولوحظت مع مطلع عام 2018 ، وبدى أثرها أكثر مع بداية عام 2020 وهي قُصر التركيز واستصعاب أداء مهمة تستغرق نقرات أكثر ، فتلاحظ أن موضوع قيامك بمهمة تكسر المألوف فيها لا تحوي الدوبامين الذي تفرزه وسائل التواصل أمر صعب نسيباً.
الشكل الجديد للعالم والاقتصاد
" حدث بسيط جداً قد يغير شكل الاقتصاد في المستقبل وخصوصاً إذا كان هذا الحدث يؤثر على سلوك المستخدم الذي يشكل نسبة لا يستهان بها من شكل الاقتصاد"
ميلتون فريدمان
تأثر المستهلك بتكنولوجيا العصر التي قامت على أقل عدد من النقرات، وأعلى كمية ممكنة من الدوبامين جعلت منه شخصاً ميالا ً للكسل أكثر من العمل المجهد بنسبة تفوق 65% في الدول النامية ونسبة تفوق 40% في الولايات المتحدة و30% وفي أوربا وهذه النسب لا تعد بالقليلة مطلقاً.
إن الميل إلى الكسل بتعرفيه الاقتصادي هو طلب النتيجة دون بذل السعي الذي يقابل القيمة الحقيقية لهذه النتيجة بمنتهى البساطة كثرة البحث عن الطرق المختصرة وهذا عن جعلنا أمام أهم الآثار التي ترتبت على تشكيل عالم اقتصادي وتكنلوجي جديد يقوم على الاختصار ومن أهم علاماته وآثاره:
·سطحية البحث أو الميل إلى تجنب البحث أساساً واعتماد العرف.
إن سيولة المعلومات بشكل مفرط، وقربها وسهولة الحصول على بداية المعلومة، جعلت الانسان المعاصر سطحي إن لم يكن شديد السطحية في معلوماته ، سابقاً إذا أراد الأنسان الحصول على معلومة ( يتم الموضوع بشكل رأسي) يذهب إلى محاضر العلم مثل الجامعات أو إلى الخبير فيبدأ بالمعلومة فيتعمق بها بدءً من مبادئ العلم ، وصولاً إلى أعمق النقاط و أكثرها تعقيداً وهنا نقول أن العلم انتقل بالمشافهة أي بالكلام و المحاضرات و التجاوز الأكاديمي للمراحل ، أما اليوم فيتم الموضوع على نحو يصفه فئة من دكاترة الجامعة على أنه بحال لم يكن ممنهج فهو سطحي وغير مجدي ، حيث يتم الحصول على المعلومة بشكل أفقي وهو أن تحصل على عدد كبير من المعلومات لكن دون الخوض في عمق هذه المعلومات مما يجعل الحاصل على المعلومة يفتقد للمشافهة وآلية التفكير والمنطق العلمي الذي يقتضي بأن يعرف فيما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة أم لا وهذا يجعلنا أمام فئة كبيرة تملك الكثير من المعلومات إلا أن هذه المعلومات سطحية و حاملها يفتقر لآلية التفكير الأكاديمية ، وأضف على ذلك أنه ربما الموقع الذي تعتمده لاستسقاء المعلومة كان بارعاً في التسويق أكثر فكان الوصول إليه أسهل.
غياب البحث الصحيح قد يجعل النتيجة خاطئة بلا شك ، أو بمنتهى البساطة يكون جواب المراد معرفته هو جواب العرف فتتجنب البحث.
أسباب تفوق عملة قد لا تملك المشروع الذهبي
ما سردناه سابقاً يعد أحد أهم العوامل التي شكلت الاقتصاد الحديث الذي يقوم على مستهلك ميال للكسل في اتخاذه القرار الشرائي ، وهذا ما يجعل أن مشروع لعملة ميم يحقق شهرة واسعة ونجاح عظيم رغم أنه قد لا يقوم على المشروع الذهبي الذي يتجاوز بأدائه مشاريع حقيقية لأن السيناريو يكون على نحو أن فئة كبيرة تدخل إلى عملة ما دون البحث في أساسيات هذه العملة بحجة أن العملة مشهورة تسويقاُ ( Trend Mem ) وهنا مشابه الأمر تماماً لمن يشتري سهم لمجرد أنه مشهور بعيداً عن حقيقة هذا السهم.
متى تكون مرحلة المشاركة جيدة؟
وجود تدفق شرائي عالي لا شك أنه يخلق ارتفاع سعري ويحقق مربح لك ، ولكن تذكر أن التعامل مع عملة MEM ينبغي أن يكون في بداية طريق العملة التي قد تشكل Trend على وسائل التواصل وليس عندما أوج شهرتها.
عملة Mad pepe
من العملات التي تكلمت عنها سابقاً في مقال بعنوان هل من فرصة أخرى للعملات والتي لازالت في مرحلة مبكرة يجعل منها تحقق أداء استثنائي يفوق أداء pepe الشهيرة خصوصاً أنها أعلنت في الآونة الأخيرة أنها تعمل على إنجاز لعبة خاصة بها تكون فيها العملة وسيلة دفع .
رأي المحلل
في الختام عزيزي القارئ تذكر أن التعامل مع أسواق المال هو التعامل مع عقليات أقل ما يقال عنها أنها نابغة وسيدة الموقف وأعجوبة التفكير استطاعت لما لديها من ملكات تجاوز عقبات فكرية عسيرة ، ولكن هذا استغرق منها أشواطاً وسنون من البحث في حين الطرف الآخر اختار الطريق الأسهل فأعجب بالعملة الشائعة لا التي تتطلب بحثاً.
عمر جاسم آل صياح
-تحذير: لا علاقة بموقع إنفستنج بهذا المقال وكل ما يرد فيه وندعوكم لعدم الانسياق وراء أي تحليلات أو توصيات شراء في مجال العملات الرقمية لإنه مجال شديد التقلب وقد يضيع كل الرأسمال مع العملات الرقمية.