الخسارة جزء لا يتجزء من السوق

" الخسارة في أسواق المال أمر لا مفر منه لكن عقلية التاجر هي التي تجعل تلك الخسارة جزء من الأسواق أو صفة دائمة من الأسواق، لذلك لا تقاوم الخسارة و إنما قاوم طريقة تفكيرك حول الخسارة"

مارك دوجلاس

ما كان يقصده مارك في كتابه التاجر المنضبط أن الأسواق ونظراً لطبيعتها العشوائية ، وبيئتها الاحتمالية ، فإن الخسارة فيها أمر لا مفر منه ولكن طريقة تعاملك مع تلك الخسارة هو الذي يجعل من الخسارة إما صفة دائمة أو مؤقتة.

حتى نفهم لماذا الخسارة جزء أساسي من مكونات السوق علينا أن نعرف لماذا أساساً السوق بيئة احتمالية وما منعكس هذا الأمر على المتداول.

لماذا السوق بيئة احتمالية؟

علمياً إذا أردنا فهم مجال معين لا بد أن نفهم سلوك هذا المجال، فإذا أراد العلماء على سبيل المثال فهم الكون توجهوا لدراسة سلوك هذا الكون، ولدراسة السلوك لا بد من دراسة مكونات ما ندرسه، أي إذا أردت فهم الكون لا بد من البدْ بأصغر مكون لهذا الكون.

فإذا أردنا فهم السوق لا بد من دراسة مكونات السوق وإن مكونات السوق بدون أي شك هم المتداولون الذي يحركون السوق صعوداً، وهبوطاً ونحن هنا نميز ثلاث أنواع من المتداولين:

1. متداولين على اعتقاد بأن السوق صاعد فتشتري فتدفع السوق للصعود.

2. متداولين على اعتقاد بأن السوق هابط فتبيع فتدفع السوق للهبوط.

3. مراقبون.

إن هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تدفع المتداولين للتداول ، ولكن بنهاية المطاف جميع الأسباب ذات نتيجة واحدة ، ألا وهي الربح ( لا وجود لمتداول يهدف إلى الخسارة).

نظراً لأن الجميع يتصرف بغية هدف واحد (ألا وهو الربح)، تعني وجود سلوك قابل للدراسة وكون هذا السلوك يتكرر بتغير الظروف فإنه سلوك قابل للدراسة وقابل للتكرار.

علمياً يمكن أن ندرس سلوك البشر وأكثر من ذلك، حيث نستطيع بواسطة الاحتمالات أن نتنبأ بسلوكهم إن عرفنا تاريخهم.

لنفرض على سبيل المثال لديك عشر أشخاص، سبعة من هؤلاء الأشخاص يتبعون ذات السلوك أثناء تعرضهم للخوف في كل مرة، فعلى هذا ومن حيث الاقتصاد السلوكي يمكن أن نقول إن هذه الفئة بنسبة 70% تتبع هذا السلوك في كل مرة إلى عدد لا نهائي من المرات.

وجود سلوك ثابت تعني وجود نمط ثابت ، وإن وجود نمط ثابت تعني إمكانية قياس ذلك النمط ، بالأرقام ومن يعني بدراسة الأرقام من حيث إمكانية التنبؤ هو الاحتمالات ، ولهذا يمكن أن نقول أن السوق بيئة احتمالية.

السوق بيئة احتمالية لا عشوائية

عندما نقول أن السوق عشوائي، تعني أنه لا يمكن التنبؤ في السوق لكن عندما نقول أن السوق بيئة احتمالية و أن أي احتمال وارد فإن الأمر مشابه تماماً لرمية مكعب يمكن أن تحسب احتمالات ظهور هذا المكعب لكن هذه الاحتمالات لن تعطيك النتيجة الحتمية وإنما ستعطيك النتيجة التقديرية وكون الأسواق مبينة على الاعتقاد فإن اعتقاد واحد كفيل فقط بأن يغير الأسواق وكذلك الأمر بالنسبة لرمية مكعب (متغير واحد كفيل بأن يغير الاحتمالات) ، مثال:

لدينا مكعب يحوي ست أوجه، خمسة منها خضراء اللون، ووجه واحد أحمر اللون، إذا ألقينا هذا المكعب على الأرض ما احتمال أن يظهر أحد الأوجه الخضراء للأعلى؟

الجواب هو 83% تقريباً

هل هذا يعني حتمية ظهور اللون الأخضر ؟

لا.

الأسواق تماماً كهذا المثال ، بيئة احتمالية، أخبرتك أحد القوانين أن هناك نسبة تصل إلى 80% أن السوق سيصعد لكن هذا لا يعني حتمية الصعود.

الاحتمال هو

(أسأل أي خبير في الفيزياء أو الرياضيات حول صحة هذا الكلام)

مقتبس من كتاب التداول في المنطقة.

أكثر الأسباب التي تدفع المتداول العربي للخسارة

1. عدم فهم أن السوق بيئة احتمالات وأي احتمال فيها وارد،

مما يجعل الأغلب يعامل التحليل على أنه أمر حتمي لا بد من أن يقع.

2. الاعتقاد بأن الأمر عملي لا علمي،

فئة كبيرة جداً من المتداولين تتداول بالأسواق بناء على استراتيجيات لا أساس اقتصادي لها كأن يقوم بالشراء أو البيع بناء على تقاطع مؤشرين ، علما ً أنك تتعامل في سوق قائم على العرض و الطلب و سوق تحكمه القوانين الاقتصادية.

3. الادمان على المكافآت العشوائية،

إذا نظرنا إلى الطريقة التي تم بها تسويق التداول لنا ، لوجدنا أنه تم تسويق المجال على أنه الأرض الموعودة التي تحقق لك أحلام الثراء بأقصر فترة ممكنة ، وبأسهل الطرق وهذا من خلال بروكرات دفعت إلى تعليمك استراتيجيات بسيطة ، حققت لك ربح مرة من ذات المرات لأن سوق بيئة احتمالية ، مما يدفع عندك شعور غامر بسعادة ، وإن السعادة الغير متوقعة وفقاً لنظر مارك تسبب الإدمان ، وهذا الإدمان هو ما يجعلك تتقبل الخسارة التي تدفعك مراراً وتكراراً لشحن الرصيد أملاً بتحقيق ذات الشعور.

خلاصة القول ورأي المستشار المالي

في الختام عزيزي المتداول لا شك أن هناك حلول، ولا شك ان هناك طريقة لتفكر فيها في الأسواق فتحقق ربحاً لكن ليس هناك طريقة حتى تتفادى فيها الخسارة ومن يخبرك بأن هناك طريقة لتداول الأسواق دون خسارة فهو إما مخادع أو يمتلك علم يفوقنا جميعاً ، لأن الخسارة أمر وارد وطبيعي جداً ، خصوصاً أنك تعامل بيئة تقوم على الاحتمالات وتستخدم علوم إنسانية في محاولة تفسير السوق ، لذا من الطبيعي ليس أن تتفادى الخسارة وإنما من الطبيعي أن تجعل تلك الخسارة مقبولة فتستطيع الاستمرار بتلك اللعبة الاحتمالية....

يتبع...

المستشار المالي عمر جاسم آلصياح

لا تتردد في طرح أي سؤال، أو التواصل معنا إن تطلب الأمر، فنحن نخصص الكثير من الوقت لكي نسمع منك.

للمزيد ابقى معنا على التويتر

X: @omarsyyah