في عالم يقدّس الصورة على الحقيقة، أصبح التجميل الرقمي أداة فعالة لتزييف الواقع، ليس فقط في ملامح الوجوه، بل في ملامح الاقتصاد أيضًا. فكما يخدع الفوتوشوب أعيننا بصور مصقولة بعناية، تخدعنا بعض الحكومات والمؤسسات الاقتصادية بأرقام ومؤشرات محسّنة، تُظهر نموًا وهميًا، بينما الاقتصاد الحقيقي يعاني في الظل.
محاولة التلاعب بالمؤشرات الاقتصادية الكلية والكمية لإظهار تحسن وهمي، أشبه بشخص مختل يسعى لتحسين مظهره لا من خلال العناية الحقيقية بنفسه، بل عبر التقاط انعكاسه في المرآة بأفضل زوايا التصوير، وإضافة أفخم الفلاتر، ثم تعديل الصورة بالفوتوشوب، بينما يظل واقعه بلا تغيير.
لكن، كما أن الفلاتر لا تغيّر ملامح الشخص في الواقع، فإن تجميل الأرقام لا يغيّر من جوهر الاقتصاد، بل يؤجل مواجهة الحقيقة.
كيف يُمارس الفوتوشوب الاقتصادي؟
التجميل الرقمي في الاقتصاد يُمارَس بعدة طرق، كلها تهدف إلى تقديم صورة زائفة عن الوضع الحقيقي:
إخفاء التضخم: يتم التلاعب بطرق قياس التضخم لاستبعاد بعض السلع الأساسية أو تغيير أوزانها النسبية، فيبدو أن التضخم منخفض، بينما يشعر المواطن العادي بارتفاع الأسعار يوميًا.خداع البطالة: يتم إعادة تعريف "العاطل عن العمل" بحيث يتم استبعاد الأفراد الذين توقفوا عن البحث عن وظيفة، مما يُنتج معدلات بطالة منخفضة زائفة.التضخم المالي المصطنع: يتم ضخ الأموال في الأسواق المالية عبر التيسير الكمي أو أسعار الفائدة المنخفضة، مما يدفع أسعار الأصول للارتفاع، بينما لا يعكس ذلك تحسّنًا في الإنتاجية أو الاقتصاد الحقيقي.تجميل أرقام النمو: قد يُظهر الناتج المحلي الإجمالي نموًا بفضل الإنفاق الحكومي الممول بالديون، لكنه لا يعني أن الاقتصاد يتحسن فعليًا، بل ربما يغرق في ديون مستقبلية غير مستدامة.
لماذا لا يمكن خداع الواقع؟الاقتصاد الحقيقي هو ما يشعر به الناس، وليس ما تظهره التقارير. فالمستهلك الذي يواجه ارتفاع الأسعار، أو الموظف الذي يجد راتبه لا يغطي احتياجاته، لا تعنيه المؤشرات المنمقة.لا يمكن خداع الأسواق أو الأفراد لفترة طويلة، فالحقيقة ستظهر عاجلًا أم آجلًا. فحتى لو بدت الصورة جميلة لفترة، فإن الانهيار حتمي عندما تتعارض الأرقام مع الواقع الفعلي.التلاعب بالمؤشرات الاقتصادية يجعل المشاكل تتفاقم بدلاً من أن تُحل، تمامًا كما أن تعديل الصور لا يجعل الشخص أكثر وسامة في الواقع! فبدلاً من علاج المشكلة، يتم إخفاؤها حتى تنفجر في النهاية بأزمة أكبر.
الفوتوشوب لا ينقذ أحدًا
الاقتصاد، كأي نظام حي، لا يمكن إصلاحه بالتجميل الرقمي، بل يتطلب معالجة حقيقية. فكما أن الشخص الذي يعتمد على الفلاتر سيواجه صدمة عندما يرى نفسه في المرآة، فإن الاقتصاد الذي يعتمد على المؤشرات المزيفة سيواجه صدمة عندما تتكشف الحقائق. وعندما يحين وقت المواجهة، ستنهار الأرقام المصطنعة كما ينهار الجمال الزائف أمام الضوء الطبيعي.