في عالم الاقتصاد الحديث، لا يمكن تجاهل التشابك العميق بين الدول، خصوصًا عندما يكون الحديث عن بلدين مثل كندا والولايات المتحدة. فالعلاقة بينهما ليست مجرد تبادل تجاري بسيط، بل هي منظومة مترابطة تشمل الصناعة، الطاقة، الأمن، واللوجستيات، تمتد لعقود من التعاون والتكامل.
الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لكندا، حيث تُصَدِّر كندا أكثر من 70% من بضائعها إلى السوق الأميركية. هذا الرقم وحده كافٍ ليبيّن حجم الاعتماد. فعلى سبيل المثال، الصناعات الكندية، خاصة السيارات والطاقة، تعتمد على مواد خام ومكونات قادمة من الولايات المتحدة، ويتم تجميعها وتصديرها مرة أخرى ضمن ما يُعرف بسلاسل الإمداد المتكاملة.
لكن ماذا لو قررت كندا في لحظة ما أن تُنهي هذه العلاقة أو تستبدلها؟ هل لديها البديل؟ وهل الوقت والظروف يسمحان بمثل هذا التحوّل؟ الواقع يقول: ليس الآن.
البدائل متوفرة من حيث المبدأ، مثل الاتحاد الأوروبي أو الأسواق الآسيوية، لكن لا يوجد سوق يضاهي السوق الأميركي من حيث الحجم، القرب الجغرافي، وسهولة الوصول. وحتى لو بدأت كندا العمل على تنويع شركائها، فإن هذا يتطلب سنوات من بناء البنية التحتية، توقيع اتفاقيات، وتعديل السياسات التجارية والجمركية.
الانفصال الاقتصادي عن الولايات المتحدة قد يؤدي إلى اضطرابات حادة في سوق العمل الكندي، ويؤثر على قيمة الدولار الكندي، ويربك الاستثمارات الأجنبية. فالشركات الكبرى التي تستثمر في كندا تفعل ذلك لأنها ترى في كندا بوابة مستقرة للسوق الأميركي، وليس كيانًا اقتصاديًا معزولًا.
الآثار السلبية المحتملة على كندا:
انخفاض كبير في الصادرات الكندية (خصوصاً النفط، الخشب، السيارات، المنتجات الزراعية).
- خسارة مئات آلاف الوظائف المرتبطة بالتجارة الثنائية.
- ارتفاع التكاليف على المستهلك الكندي نتيجة فقدان الواردات الأميركية.
- ستفقد كندا تأثيرها الجيوسياسي من خلال تحالفاتها مع أمريكا.
- كندا وأميركا تتشاركان في تحالفات أمنية مثل NORAD وFive Eyes، وانسحاب كندا يعرّض أمنها القومي للخطر.
- قد تصبح أكثر عرضة للضغوط من قوى عالمية أخرى.
- أكثر من 400 ألف شخص يعبرون الحدود يومياً بين البلدين؛ أي قرار بقطع العلاقات سيؤثر على حركة الأشخاص والبضائع بشكل كبير.
هل يمكن أن تخسر كندا عضويتها في G20؟
نظرياً: نعم. عملياً: لا.
G20 مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من G7، وتضم اقتصادات صاعدة مثل الصين، الهند، السعودية، البرازيل، إلخ. كندا عضو دائم، لكن G20 ليست مؤسسة رسمية لها دستور واضح يسمح “بطرد” دولة. ومع ذلك، لو حدث تراجع حاد جداً في الاقتصاد الكندي، أو عزل سياسي من أمريكا وهذا متوقع كرد فعل، قد تتقلص أهمية كندا داخل المجموعة، وتخرج خارج المجموعة ودخول دولة أخرى مكانها.
هل يمكن أن تخسر كندا عضويتها في G7؟
عملياً، من غير المرجّح إطلاقاً أن تخسر كندا عضويتها في مجموعة السبع (G7)، والسبب بسيط أن G7 ليست منظمة رسمية لها عضوية قابلة للإلغاء. وهي تجمّع غير رسمي لأكبر الاقتصادات في العالم (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، واليابان).كندا انضمت سنة 1976، وتُعتبر شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً، حتى لو كان اقتصادها أصغر نسبياً من البقية.
لذلك، خروج كندا من G7 ممكن فقط إذا انسحبت هي بنفسها، أو في حالة خلاف سياسي شديد جداً وغير مسبوق، وهو أمر شبه مستحيل حتى لو حدث ركود طويل الأمد أو هبوط في التصنيف الائتماني أو حتى انخفاض حاد في الناتج المحلي.
ومع أن كندا تسعى، وبشكل عقلاني، إلى تقليل اعتمادها المفرط على أميركا من خلال توقيع اتفاقيات جديدة مع دول أخرى، إلا أن هذا المسار يجب أن يُبنى على التوازن وليس القطيعة. فلا يمكن لدولة ترتبط بهذا العمق بشريك استراتيجي أن تنقلب عليه بين ليلة وضحاها دون أن تتكبد خسائر باهظة.
الخلاصة أن كندا لا تستطيع حاليًا الاستغناء عن الولايات المتحدة، لكنها تستطيع التخطيط لمستقبل أكثر تنوعًا واستقلالية عبر بناء شراكات جديدة، وتحفيز الابتكار الداخلي، وتعزيز الاقتصاد الرقمي. لكن هذا المسار طويل ويحتاج إلى استراتيجية واضحة، وليس قرارات انفعالية مبنية على المواقف السياسية أو المشاعر العامة.