رغم التحذيرات الأخيرة من أن الرسوم الجمركية العالمية قد تُبطئ الزخم المتصاعد في سوق دبي العقاري، فإن قراءة دقيقة لمجريات الاقتصاد الإقليمي والدولي تُظهر أن هذه المخاوف قد تكون مبالغًا فيها، بل وربما تُخفي فرصًا جديدة لدبي لتوسيع جاذبيتها الاستثمارية وتعزيز مكانتها كمركز عالمي مزدهر.
1. دبي تتجاوز تقلبات السوق العالمي بتنوع مصادرها
الإمارات، وفي مقدمتها دبي، لا تعتمد على مصدر واحد لمواد البناء أو التكنولوجيا العقارية. بل تمتلك منظومة مرنة من الشراكات التجارية تمتد إلى الصين، تركيا، الهند، ودول أوروبية وآسيوية متعددة. هذا التنوع يضمن أن أي تغيّرات في الرسوم الجمركية على بعض الدول لن تُربك سلسلة التوريد بشكل فعلي أو مستدام.
دبي لا تعتمد على استيراد المواد أو المعدات التقنية من دولة واحدة فقط مثل الولايات المتحدة، بل لديها علاقات تجارية قوية ومتوازنة مع دول متعددة, بالإضافة إلى كونها منتجًا ومصدرًا رئيسيًا لبعض هذه المواد، مثل الألمنيوم.
- الصين: شريك استراتيجي للإمارات، توفر مواد البناء، أنظمة الكهرباء، المصاعد، وحتى الأثاث بتكلفة تنافسية.
- تركيا: مصدر رئيسي للسيراميك، الحجر الطبيعي، والألمنيوم المُصنّع، بجودة عالية وسرعة في الشحن.
- الهند: تورد الأخشاب، الكوابل، المولدات، والعديد من المعدات الميكانيكية والكهربية.
- أوروبا: تقدم مواد فاخرة للديكورات الداخلية، التكنولوجيا الذكية، وأنظمة التبريد والتدفئة ذات المعايير البيئية العالية.
من المهم التأكيد أن الإمارات ليست مجرد مستورِدة، بل تُعد من أكبر الدول المصدّرة للألمنيوم في العالم، عبر شركة الإمارات العالمية للألمنيوم (EGA)، التي تُصدّر إنتاجها إلى أكثر من 50 دولة، وتُستخدم منتجاتها في صناعات السيارات، الطيران، والبناء على مستوى العالم.
2. المستثمر لا يبحث عن الأرخص… بل عن الأفضل
عندما ننظر إلى سلوك المستثمر العقاري في دبي، علينا أن نفهم شيئًا جوهريًا: هو لا يفكر بمنطق “كم تكلفة البناء؟” أو “كم سعر الحديد أو الألمنيوم؟” بل ينظر إلى الصورة الأوسع، إلى ما يسمى “القيمة المضافة” التي يقدمها العقار كمنتج استثماري شامل.
سواء كان العقار في نخلة جميرا أو الخليج التجاري أو حتى في مناطق مثل وسط دبي أو دبي مارينا، فإن المستثمر لا يشتري فقط جدرانًا وسقفًا، بل يشتري:
- عائد سنوي ثابت من الإيجارات في واحدة من أعلى أسواق الإيجار في العالم.
- استقرار قانوني وتشريعي يجعل ملكية العقار آمنة، وحقوقه كمستثمر محمية.
- سهولة في التملك والتسجيل العقاري بفضل النظام الذكي في دبي، الذي يسمح بإجراءات رقمية، شفافة، وسريعة.
- امتيازات مثل الإقامة الذهبية المرتبطة بالتملك العقاري، والتي لا تتوفر في أغلب الدول الأخرى.
في مدن مثل لندن، نيويورك، أو باريس، قد يتمتع المستثمر بعقار فاخر، لكن:
- يخضع لضريبة عقارية مرتفعة سنويًا.
- يواجه تعقيدات قانونية في التملك أو الإيجار.
- يتأثر بأزمات سياسية أو اقتصادية تؤثر على قيمة العقار أو إمكانية تأجيره.
- يحتاج إلى وقت طويل لإنجاز معاملات البيع أو نقل الملكية.
أما في دبي، كل هذه الحواجز تقريبًا غير موجودة، مما يجعل تجربة التملك والاستثمار أكثر سلاسة وربحية.
والعديد من المستثمرين لا يشترون العقارات فقط لغرض العائد، بل لأن دبي أصبحت وجهة عالمية للعيش والعمل والترف والتعليم، مما يضيف بُعدًا عاطفيًا ونفسيًا إلى قرار الشراء، لا يمكن اختزاله في تكلفة المتر المربع.
3. الرسوم الجمركية في الخارج قد تكون فرصة داخل دبي
في حال تزايدت تكاليف البناء والضرائب في دول مثل الولايات المتحدة أو أوروبا، فإن دبي تصبح تلقائيًا وجهة بديلة أكثر جدوى. ما يُنظر إليه كعائق في الاقتصاد العالمي، يمكن أن يتحول إلى محفّز لصالح دبي التي تتمتع بإعفاءات ضريبية، بنية تحتية فائقة، ونظام إقامة طويل الأمد مثل الإقامة الذهبية, إقامة التقاعد, وغيرها من البرامج التي تتطور بشكل مستمر.
الذي يدفع السوق العقاري في دبي ليس فقط تكاليف البناء أو أسعار الفائدة، بل رؤية المدينة للمستقبل. من التطوير العمراني الذكي، إلى تبني الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، إلى التحول نحو الاقتصاد الأخضر—كلها عوامل تجعل من دبي مدينة الغد التي تجذب المستثمر اليوم.
الخلاصة, قد ترتفع الرسوم هنا أو تنخفض هناك، ولكن دبي تمضي بثقة نحو مستقبل عقاري مزدهر، مدعوم بمبادرات وبرامج حكومية جذابة وذكية، وبنية استثمارية لا مثيل لها، وثقة عالمية راسخة. فإذا كان العالم يواجه تحديات، فإن دبي تصنع من تلك التحديات فرصًا جديدة للنمو.