دعا رئيس الوزراء البريطاني لإجراء استفتاء بشأن خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي ومن المقرر أن يُجرى الاستفتاء في 23 يونيو القادم.
وقد استفادت المملكة المتحدة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1973 من خلال زيادة حرية التجارة وتدفق العمال والاستثمار من قبل الشركات التي تتطلع إلى الدخول إلى الأسواق الأوروبية.
سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى إعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة وحرية حركة العمال، وهو ما قد يلحق ضرراً بالاقتصاد البريطاني وذلك لعدة أسباب.
أولاً، يمكن لذلك أن يضر بالصادرات، حيث ستفقد المملكة المتحدة الوصول المجاني للسوق الموحدة الخاصة بالاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر وجهة لصادرات المملكة المتحدة، حيث يستورد 45% من إجمالي صادراتها.
كما قد يتسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي في خسارة أسواق أخرى خارج الاتحاد الأوروبي. فسيتعين على المملكة المتحدة التفاوض بشأن اتفاقات جديدة مع 60 شريكاً تجارياً تربطهم حالياً اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي.
ثانياً، قد يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تقويض قطاع الخدمات المالية البريطاني، الذي يمثل حوالي 10% من إجمالي الصادرات.
ويُرجح أن تفقد البنوك المرخص لها في بريطانيا "التصريح الأوروبي" الذي يسمح لها بمزاولة الأعمال في أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي بمجرد أن تفتح فرعاً بالمملكة المتحدة.
ونتيجة لذلك، يمكن أن تنتقل البنوك من لندن إلى فرانكفورت أو باريس. ولذلك، يمكن للمملكة المتحدة ان تفقد موقعها الريادي على مستوى العالم في مجال الخدمات المالية.
ثالثاً، سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تخفيض الهجرة للمملكة المتحدة، فحوالي نصف العدد الكلي للمهاجرين إلى المملكة المتحدة يأتون من دول الاتحاد الأوربي.
سيؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى الحد من تدفق المهاجرين، الأمر الذي قد يضعف النمو الاقتصادي.
رابعاً، من المرجح أن يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى فترة طويلة من عدم اليقين، وقد يكون لذلك تأثير مدمر على الاقتصاد.
وأحد مصادر عدم اليقين هو الافتقار إلى الوضوح بشأن علاقة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي أثناء فترة التفاوض بشأن الانفصال، الذي سيستغرق عامين. أما المصدر الثاني لعدم اليقين فيكمن في التداعيات السياسية للانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
فمن المُرجح أن يستقيل رئيس الوزراء البريطاني بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي، نظراً لأنه يقود حملة لبقاء بلاده في الاتحاد. وقد تقوم اسكتلندا بإجراء استفتاء آخر بشأن الانفصال عن المملكة المتحدة والبقاء داخل الاتحاد الأوروبي.
من شأن حالة عدم اليقين هذه أن تكون مدمرة لاقتصاد المملكة المتحدة. فقد ينتج عنها تخفيض للتصنيف السيادي للمملكة المتحدة، مما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاستدانة للحكومة.
كما من المرجح أن تقوم الشركات ورجال الأعمال بتأجيل الاستثمارات وقرارات التوظيف حتى يتضح الأفق. وستتأثر أسعار المنازل في المملكة بشكل سلبي جراء تراجع الاستثمارات.
ومن شأن انخفاض أسعار المنازل وحالة الغموض التي تلف الأفق أن تدفع المستهلكين إلى الادخار أكثر وتقليل الإنفاق. علاوة على ذلك، سيقوم المستثمرون الأجانب بتصفية استثماراتهم داخل المملكة المتحدة مما سيؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني.
وبالفعل، تراجعت قيمة هذا الأخير بنسبة 3.2% خلال الخمسة أيام التي تلت الإعلان عن تنظيم الاستفتاء. وقد يؤدي تراجع قيمة العملة إلى ارتفاع التضخم.
من شأن تظافر تباطؤ النمو وارتفاع التضخم الناتج عن هذا الخروج أن يتسبب في ورطة لصناع القرار في المملكة المتحدة. ففي حال قرروا تشديد السياسية النقدية، سيخاطرون بإدخال الاقتصاد في حالة من الركود. لكن إذا قرروا تيسير السياسة النقدية، من شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم أكثر.
وحتى إذا قرروا الاتجاه نحو تيسير السياسة النقدية، فإن الخيارات قد تكون محدودة. فمع أسعار الفائدة القريبة من الصفر، تبقى القدرة على تيسير السياسة النقدية محدودة أكثر حتى في ظل المناخ السائد لأسعار الفائدة السلبية، (أنظر تحليلنا حول) هل يمكن لأسعار الفائدة أن تذهب إلى أبعد الحدود في المنطقة السلبية؟
علاوة على ذلك وفي ظل مستوى الدين العام الذي يبلغ ما يقارب 90% من الناتج المحلي الإجمالي ونية الحكومة ضبط الأوضاع المالية، فإن القدرة على تيسير السياسة المالية تظل محدودة.
في الختام، فإن الحجج الاقتصادية ضد هذا "الطلاق" مع الاتحاد الأوروبي متعددة. سيكون التأثير الاقتصادي طويل المدى للخروج من الاتحاد الأوروبي سلبياً على الأرجح بالنسبة للمملكة المتحدة. في المقابل، فإن الحجج الاقوى للخروج هي سياسية في طبيعتها وتتعلق بمبدأ الحفاظ على سيادة المملكة المتحدة.
فسواء أكانت النتيجة هي الخروج من الاتحاد الأوروبي أم البقاء فيه، فمن شأن الاستفتاء أن يتسبب في حالة عدم يقين كبيرة على المدى القصير، وبالتالي من المرجح أن يتباطأ النمو في المملكة المتحدة خلال النصف الأول من العام الحالي.