كان النمو في منطقة اليورو أقوى من المتوقع خلال الربع الأول من عام 2016، مسجلاً نسبة 2.2% على أساس سنوي. ورغم أن البيانات الكاملة لم تصبح متاحة بعد، إلا أن بعض العلامات المبكرة تشير إلى نمو قوي في البلدان الأوروبية الطرفية مثل إيرلندا وإسبانيا.
وهذا يشير إلى أن جزءاً - على الأقل - من أزمة المنطقة قد أصبح الأن وراء ظهورنا، غير أنه يتعين على المنطقة أن تسير شوطا آخر قبل أن تخرج تماماً من الأزمة. وعلى الرغم من توقع استقرار النمو في عام 2016، إلا أنه سيستقر عند نسبة متواضعة لا تتجاوز 1.5%.
وعلاوة على ذلك، فإنه في حال تعرض الاقتصاد لأي صدمة سلبية، فلن يكون هناك سوى مساحة محدودة للتصدي لها من خلال السياسات، خاصة في الجانب النقدي.
جاءت نتائج النمو في منطقة اليورو أفضل من التوقعات بنحو 0.6%. غير أن هذ الأداء الأفضل من المتوقع بصفة عامة يخفي وراءه تبايناً إقليمياً في النمو بين بلدان منطقة اليورو.
فألمانيا تواصل تحقيق نمو مطرد، ويتوقع المحللون أن يبلغ نموها في الربع الأول من العام حوالي 2.4%. وفي نفس الوقت، ستحقق كل من اسبانيا وإيرلندا أداءً استثنائياً، بنمو نسبته 3.2% للأولى في الربع الأول، و 7.8% للأخرى في عام 2015 (بيانات الربع الأول غير متوفرة بعد).
ويظهر الأداء الممتاز لبعض الدول الطرفية بأن بعض التغيير على الأقل قد حدث فعلياً في منطقة اليورو. وفي الحقيقة، تمكنت معظم البلدان الطرفية من تحويل عجوزاتها الكبيرة في الحساب الجاري - أحد الأسباب الرئيسية لأزمة منطقة اليورو في 2011/2012 - إلى فوائض مع استعادتها للقدرة التنافسية بنجاح.
وقد تحقق ذلك من خلال خفض التكاليف والأجور المحلية في الدول الطرفية بالإضافة إلى انخفاض قيمة اليورو، الأمر الذي أدى إلى تحسين الموازين الخارجية لمنطقة اليورو ككل.
ورغم تصحيح مشكلة اختلال الموازين الخارجية، من المتوقع أن يستقر النمو خلال عام 2016 عند نسبة 1.5%، وهو مماثل لمعدل النمو الذي تم تحقيقه خلال العام الماضي حيث يتوقع أن تغطي بعض المعوقات على التأثير الإيجابي للعوامل المساعدة.
من جانب آخر، من شأن انخفاض أسعار النفط هذا العام أن يدعم الاستهلاك في المنطقة بالنظر إلى كونها مستورد كبير للنفط. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تستمر السياسات النقدية والمالية في دعم النمو.
لكن من الجانب الآخر، فعلى الرغم من أن السياسة النقدية ميسرة، إلا أن تأثيرها أصبح محدودا أكثر فأكثر. بالإضافة إلى ذلك، فإن حالة الشكوك السائدة بشأن احتمال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي تعيق النمو في المنطقة، رغم كون هذا التأثير أقل درجة مما هو عليه في المملكة المتحدة.
وفي حين يُتوقع أن تستقر معدلات النمو، تواجه المنطقة عدداً من المخاطر الأخرى. فعلى الصعيد المحلي، هناك خطر سعي بلدان أخرى للخروج من الاتحاد الأوروبي أو منطقة اليورو في حال نجح خروج بريطانيا من الاتحاد.
وهناك أيضاً خطر انتقال التأثير السلبي لأزمة اليونان في حال فشلت جولة المفاوضات السنوية بشأن الديون في التوصل إلى اتفاق. كما تواجه المنطقة عدداً من المخاطر الخارجية مثل التباطؤ الكبير في الاقتصاد الصيني أو خروج التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة عن مساره.
وإذا ما تحققت هذه المخاطر ستكون هناك مساحة محدودة للرد عن طريق السياسات. ففي جانب السياسة النقدية، لا يستطيع البنك المركزي فعل الكثير، حيث أنه قد قام مسبقاً بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى سلبي وشرع في تنفيذ برنامج واسع للتيسير الكمي.
وهذا يلقي بالعبء الأكبر على السياسة المالية، ولكنها أيضاً مقيدة بارتفاع مستوى الدين العام الذي يبلغ حالياً حوالي 93% من الناتج المحلي الإجمالي.
وباختصار، فإن النمو في منطقة اليورو بدأ يستقر، وذلك يشير إلى أن المنطقة قد تخطت على الأرجح الجزء الأسوأ من الأزمة. ومع ذلك، فإن النمو يستقر عند معدل متواضع إلى حد ما. وإذا ما تعرضت المنطقة لصدمة سلبية محلية أو خارجية، وقتها ستكون هناكمساحة محدودة للرد عن طريق تعديل السياسات، خاصة السياسة النقدية.