Investing.com - خلال شهر مارس، بجانب تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع، وتحول أوروبا إلى بؤرة وبائية للانتشار الفيروس، كانت أزمات النفط في بداية اختمارها. انفض الائتلاف بين أوبك والحلفاء على خلفية الرفض الروسي، جراء مخاوف فقدان الحصة السوقية للمنافس الأمريكي الشرس.
وكانت هذه بداية حرب سعودية تهدد بإغراق الأسواق بالنفط بأسعار متدنية مقارنة بالمنافسين للاستحواذ على أي عميل مستقبلي. لكن ما لم يكن بالحسبان هو حجم ما أوقعه فيروس كورونا من دمار على أكبر مستهلكي النفط في العالم، من الهند إلى الولايات المتحدة، شلل كامل في أطراف الاقتصاد، خسائر مليارية لصناعة الطيران، جميع المواطنين تحت قواعد التباعد الاجتماعي والحجر الصحي الرامية لتفطيح منحنى تفشي المرض لتجنب الضغط على الأنظمة الصحية ودفعها للانهيار.
في تلك الظروف انهارت أسعار النفط، لتصل خسائر "نفط برنت" في بعض الأوقات لـ 60% من المستويات المسجلة قبل الأزمة.
أول المتضررين
كان أول من صرخ من تلك الأسعار المتدنية، والدمار المحيق هم: منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، وأشرنا لطبيعة السوق التي دفعته لحافة الانهيار والإفلاس في المقالة: في عالم فيروس كورونا، إفلاس شركات النفط الصخري، وتوقعات قاتمة للصناعة.
عندما كان، وما زال، الاقتصاد الأمريكي ينزف وظائفه بوتيرة غير مسبوقة. بنهاية الأسبوع الماضي وقع 10% من القوة العاملة الأمريكية تحت وطأة البطالة، وتقدموا بطلبات الإعانة. وليست هنا النهاية، بل سيسوء الوضع أكثر قبل أي تحسن على المدى المنظور.
يقف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بأجهزة الإنعاش على مدار الساعة، ليصدم السوق بين الحين والآخر بقرارات لم تكن يومًا في الحسبان، ويضخ تريليونات الدولارات في النظام المالي لمنعه من الانهيار المحقق، أو الدخول في حالة من الكساد وليس فقط الركود.
ضخ الفيدرالي يوم الخميس الماضي، قبيل عطلة عيد الفصح، 2.3 تريليون دولار لدعم الشركات الصغيرة، والمتوسطة، والحكومات الفيدرالية.
عندها بدأ ترامب في حالة من الهلع خشية انهيار صناعة النفط الصخري، التي تحتاج الكثير من الأموال للإنفاق على تكنولوجيات الإنتاج، على عكس نفقات الإنتاج لمنتجي أوبك أو أوبك+.
من الأمير ولي العهد إلى الرئيس بوتين، استمرت محادثات ومناشدات من ترامب ووزير خارجيته، مايك بومبيو، للتصالح.
ولأن لا أحد يستفيد من انهيار السوق، وبالنظر لضعف الطلب التاريخي، وامتلاء مخزونات النفط بكل دول العالم، لم يكن من الصالح العام الاستمرار في تصعيد حرب أسعار النفط. لذا، دعا الملك، سلمان بن عبد العزيز، لعقد قمة بين أعضاء أوبك+ لإجراء مشاورات، وأجلت أرامكو السعودية (SE:2222) الإعلان عن سعر بيع الخام في مايو قليلًا. وكان إعلان أرامكو عن سعر بيع الخام يعد واحد من أسلحة الحرب، لأن أرامكو السعودية كانت تبيع بأسعار شديدة التنافسية، لا يقدر المنافسون أو المنتجون الآخرون على التسعير وفقها.
خلال يوم الخميس، بدأ الاجتماع عند الساعة 17:00 بتوقيت السعودية. وبدأ تدفق في الأنباء المتضاربة والمتضادة حيال كم التخفيض، وحيال الوضع ما بين الأطراف المتشاورة، أشرنا إليها هنا:.
وبعد ساعات طويلة، اطمأنت الأسواق لاتفاق بين أعضاء أوبك+. وجد الأعضاء أرضية مشتركة. ولكن لم يعلم أحد تفاصيل أبعد من التكهنات بتخفيض الإنتاج 10 مليون برميل يوميًا.
وبحلول يوم الجمعة، انعقد اجتماع لوزراء طاقة مجموعة العشرين، واستمر سيل الأنباء في التدفق، لكن السوق كان مغلقًا احتفالًا بعيد الفصح، لم يكن يستطيع أي متداول أو مستثمر إتمام عملية بيع وشراء تحرك الأسعار بقوة وفق الأنباء.
وهنا ظهر لاعب جديد معارض، لم يكن بالحسبان: المكسيك الرافضة.
وقعت 22 دولة على الاتفاق، ورفضت المكسيك. ولم يدر بخلد الرئيس المكسيكي القابع في قصر الرئاسة سوى أمر واحد: بيمكس.
يثقل كاهل شركة النفط المكسيكية دين بـ 10 مليار دولار. والشركة هو القلب النابض لجهود المكسيك الرامية للاستكفاء الذاتي من الطاقة. وتمر المكسيك بعامها الـ 15 من تراجع الإنتاج.
تطالب أوبك+ المكسيك بتخفض 400,000 برميل يوميًا، وهذا ما يمنع تنفيذ أي خطط لإعادة بيمكس لسابق مجدها.
اعتمد الرئيس المكسيكي على سمعته كمحارب لحقوق الشعب، خاصة العاملين في قطاع الطاقة.
مهمة صعبة؟
تعتمد خطة أوبك+ على مشاركة المكسيك بالتخفيضات، ولم يسع الرئيس المكسيكي سوى تقديم تخفيض بـ 100,000 برميل يوميًا أي 5.6% من حصة الإنتاج للشركة القومية للنفط.
وعندما كادت الاتفاق يذهب أدراج الرياح جراء الرفض المكسيكي، تدخل ملك التسويات، وفق كتابه فن الاتفاق: دونالد ترامب، بمساعدة غير متوقعة.
حاولت الولايات المتحدة إقناع المكسيك بالانضمام، ولكن أصر الرئيس على أن بيمكس لا تقدر على تخفيض القدر المطلوب من الإنتاج.
وبالختام، وافقت الولايات المتحدة على مساعدة المكسيك بتخفيض 250,000 برميل يوميًا، ليخرج الاتفاق للنور. ويبدو أن هذا الأمر نجح، لأن المفاوضات والتي كانت تستمر لليوم ربما تمخضت عن نتائج حسنة، ونتوقع هذا نظرًا لما أفادت به مصادر لبلومبرج بإعلان أرامكو عن سعر خام مايو يوم الغد.
وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المكسيكية إن الرئيس المكسيكي قدم عرضًا، وقبله ترامب.
هل كان لترامب خيار آخر؟
تقول بلومبرج إن ترامب لم يكن أمامه خيار آخر سوى مساعدة المسكيك، لأن الرئيس لم يتراجع قيد أنملة عن موقفه، وفق مصادر مطلعة على المفاوضات. لم يطالب ترامب بأي شيء في المقابل.
ستساعد الولايات المتحدة المكسيك، وسوف ترد المكسيك لنا الجميل في وقت لاحق، عندما يكونون على استعداد للرد، قال ترامب في ختام مؤتمره الصحفي يوم الجمعة.
شبّه ترامب الأمر بالزرع الذي تغرسه اليوم، لتجني حصاده مستقبلًا. وامتدح العلاقة بينه وبين رئيس المكسيك، ووصف صداقتهما بالعظيمة.
مزيد التخفيضات؟
بعيدًا عن قدرة شركة النفط القومية، يرى الرئيس المكسيكي أن التخفيضات مستقبلًا ستكون حتمية، وستفرض نفسها فرضًا بسبب تراجع الطلب، فيتعين على الدول المنتجة عندها تخفيض إنتاجها مجبرة حتى لا يختل توازن السوق وتحدث كارثة تدمر الجميع. وهنا يحاول الرئيس المكسيكي الحصول على أفضل صفقة ممكنة.
تمتلك المكسيك صندوق تحوط للنفط، وهو الأكبر من نوعه، يحمي الصندوق الميزانية الحكومية من أي انهيار لأسعار النفط أسفل 49 دولار للبرميل.
قال أميلو، الرئيس المكسيكي، يوم الجمعة إن رفضهم نابع من مجهوداتهم الحثيثة لرفع الإنتاج.
ويستمر بوصف التخفيضات بالـ "مؤقتة."
خطط أكبر
ما حدث في اجتماع مجموعة العشرين يبرز طبيعة سياسة أميلو المحلية، فيضع الأهداف القومية فوق المنطق العام، وفوق علاقته مع منتجي النفط من الدول الأخرى. ويتسق هذا مع رفضه تحفيز الاقتصاد بأي شكل من الأشكال لوقف تداعيات فيروس كورونا، وهذا ما يثير صفوة رجال الأعمال بالمسكيك.
تبني المكسيك الآن محطة تكرير قيمتها 8 مليار دولار أمريكي، وسط انهيار سعر البنزين في العالم. وطالب أميلو بفتح صناعة الطاقة أمام مستثمري القطاع الخاص.