رغم الأرباح الجيدة التي سجلتها الشركات الأمريكية في الربع الأول من العام الجاري إلا أن الأمر لم يخل من علقم شديد تجرعته الشركات، والتي عانت شحاً فظيعاً في توفير سلاسل التوريد بفعل ندرة المواد الخام وازدحام الموانئ وأزمة نقص العمالة التي تزداد تدهورًا كل يوم سواء كان ذلك في المستودعات أو سائقي الشاحنات أو عمال الموانئ، مما أبطأ عمليات التسليم للسوق المتعطش، والمثال الأبرز على ذلك، شركة "بي. بي. جي إندستري" المصنعة للدهانات التي تواجه نقصاً في بعض منتجاتها وأهمها طلاء الإيبوكسي، وقطاع السيارات الذي يضرب كفاً على كف بسبب صعوبة الحصول على قطع الغيار الضرورية بداية من البلاستيك ومروراً بالمقاعد، وانتهاءً بأشباه الموصلات.
يتفاقم أمر سلاسل التوريد في الولايات المتحدة بفعل الانتظار الطويل للسفن المحملة بالبضائع في موانئ الساحل الغربي والتي تصل إلى نحو20 يوما، وهذا بكل تأكيد لا يواكب انتعاش الطلب المدعوم بحزم التحفيز المالي وسرعة التطعيم وإعادة فتح الاقتصاد، ومن المعلوم أن عرقلة سلاسل التوريد ترفع تكلفة ممارسة الأنشطة التجارية حيث يضطر المصنعون إلى شراء المواد الخام بأسعار أعلى، كما تعقد قدرة الشركات على تخطيط المخزون وتسليم المنتجات في المكان والزمان المحدد، والأدهى أن المعروض من العمالة لا يتماشى مع الطلب الصاعد وسط هرولة أصحاب العمل للعثور على عمالة مؤهلة.
استفزت جائحة كورونا الشركات الأمريكية، فباتت مطالبة بالتنبؤ بالمستقبل والاهتمام بإدارة المخاطر أكثر من أي وقت مضى، حتى تحافظ على هوامش أرباحها عبر خفض التكاليف وتحسين العوائد ورفع الأسعار، والحقيقة الساطعة هي أن التضخم لا يشكل عبئاً كبيراً على الشركات، لأنها ببساطة تنقل ارتفاع تكلفة المواد الخام إلى المستهلك النهائي، لذلك تقفز الإيرادات، وتصمد هوامش الأرباح.
تبدو هذه الأرباح دافعة لصحوة التعافي في سوق الأسهم الأمريكية الأكبر في العالم من ناحية القيمة السوقية والذي تقدر قيمته بنحو 49 تريليون دولار، إلا أنها صحوة قد تُكبت بالقوة في منتصف الطريق، على وقع الزيادات الضريبية الكبيرة التي تقتطع من نمو أرباح الشركات، مما يسلط الضوء على الرياح المعاكسة للأسهم الأمريكية، إذ ستؤدي الإصلاحات الضريبية التي قررتها إدارة الرئيس جو بايدن إلى خفض نمو الأرباح السنوية بمؤشر "إس آند بي 500" إلى 5% فقط أو 190 دولارًا.