تشهد اسعار النفط انتعاشا في الآونة الأخيرة برغم أن تداعيات الوباء ما زالت قائمة، وحسب استقراء الوقائع والأحداث هناك اربعة عوامل مهمة في هذا الشأن:
انتشار نقص الإمدادات بسبب نقص الاستثمار الذي استمر منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014: يعتبر تراجع الاستثمارات في قطاع الطاقة الاحفورية وخاصة النفط ظاهرة مثيرة للاهتمام، فرغم اهمية النفط كمادة استراتيجية للمنتجين والمستهلكين يبدو أن الاستثمار في هذا القطاع لم يكن جذابا لمستوى أهمية المادة المسوقة.
تراجع الاستثمار في انتاج النفط الصخري: من جهة اخرى فإن ما يتعرض له قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة يعتبر عامل مهم في صالح ارتفاع أسعار النفط، فرغم الطفرة التي عرفها إنتاج النفط الصخري وصموده أمام تراجع الأسعار سنة 2014، إلا أنه لم يحافظ على ذلك الزخم الذي جعل البعض يعتقد خلال السنوات الماضية بأن النفط الصخري منافس قوي للنفط التقليدي، اضافة الى ذلك فإن ضغط الجماعات صديقة البيئة على السياسيين جعل مستقبل النفط الصخري غير واضح على الأقل حجم الإنتاج من هذا النشاط.
نمو الطلب الناتج عن التعافي القوي في بلدان مثل الصين: لطالما كانت الصين استثناء على المستوى العالمي سواء في الإنتاج أو التصدير أو الاستهلاك أو استهلاك النفط، ولذلك هناك قسم من المعروض العالمي يرتبط بتطور الاقتصادات الناشئة خاصة الصين، فالاقتصاد الصيني ورغم ما أصاب الاقتصاد العالمي من ركود وتراجع حافظ على مستوى مستقر من النمو الذي يحفظ الوظائف ويضمن تزويد الأسواق العالمية كأكبر مصدر، وللعلم فإن الأسعار بكل مستوياتها تصب في مصلحة الصين فالأسعار المنخفضة تساعد على زيادة تنافسية المنتجات الصينية من ناحية السعر، ومن جهة اخرى فإن الأسعار المرتفعة تساعد على نمو الطلب من العالم الخارجي على المنتجات الصينية وخاصة من الدول النفطية.
حزمة التحفيز الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية والتفاؤل العالمي بشأن اللقاحات: ساعدت حزمة التحفيز الضخمة التي أقرتها الحكومة الأمريكية على حماية الاقتصاد الأمريكي من الدخول في ركود مدمر، يضاف الى ذلك فإن انتاج وطريقة توزيع اللقاحات ومدى مساهمتها في رفع الإغلاق المفروض على العديد من القطاعات خاصة السياحة والنقل الجوي والغاء الاجراءات التي تدخل في إطار مكافحة الوباء مثل انشطة التجزئة والمطاعم وكذا المدارس والجامعات كلها عوامل من شأنها أن تساعد على الرفع من الأسعار.
وللإشارة فإن خبراء صندوق النقد الدولي يرون بأن منحنى أسعار النفط نحو الارتفاع سببه طبيعي وهو أن الاسعار في خضم دورة طويلة الأجل تتميز بكونها ربما الأخيرة حيث تم ربط هذه الدورة بحجم ونوعية التزامات الدول اتجاه الوقود الأحفوري الذي يعتبر أكبر ملوث للبيئة وأكبر مصدر لانبعاث الغازات الدفيئة. ولذلك إذا ما بدأت هذه الدول في تطبيق هذه الالتزامات فإن ذلك عامل مساعد لتراجع الطلب في المستقبل وبالتالي فإن المستوى الذي سيبلغه الأسعار خلال هذه الدورة ربما سيكون اعلى مستوى وهذا إنذار واضح للدول النفطية لتحضير نفسها لهذه المرحلة التي ستحل قريبا.