تحدثنا في المقال السابق عن الأرباح التي تحتاج إلى تحقيقها بشكل مستمر حتى تتمكن من الاعتماد على تداولاتك اليومية كمصدر دخل رئيسي بدون الحاجة إلى راتب ثابت.. وذكرت في نهاية المقال بأنني سأقوم بشرح الطريقة التي تمكنك من تنمية رأس المال وانت ماتزال على رأس العمل حتى تتمكن من الاعتماد على هذه الأرباح كمصدر دخل وحيد لك بدون الحاجة لوظيفة تساند هذه الأرباح.
في هذا المقال سأذكر لك ثلاثة عناصر يجب التركيز عليها لتنمية رأس مال المحفظة مع وجود الوظيفة.. وهي كالتالي:
إيداعات شهرية في الحساب:
لنكن واقعيين بعض الشئ.. هل تذكر الأسباب التي تدفعك لإيداع مبالغ نقدية في محفظة التداول.. هذه الإيداعات تحدث بشكل طبيعي بعد فتح حساب جديد مع وسيط تداول أو عندما نقوم بخسارة جزء كبير من رأس المال ونحتاج لإيداعات جديدة حتى نتمكن من تنفيذ صفقات جديدة!!
الأمر لا يقتصر على هذين السببين فقط.. أنت حالياً تقوم بعمل هذه الإيداعات حتى تتمكن من إيجاد مبالغ تمكنك من المضاربة بهامش معين.. بالإضافة إلى أن هذه النوعين من الإيداعات تحدث بسبب رئيسي وهو عدم وجود مبالغ كافية لتنفيذ صفقات جديدة..
ما رأيك بتغيير ذلك إلى إيداعات شهرية مستمرة..
لو قمت اليوم بفتح حساب جديد ثم قمت بإيداع مبلغ نقدي بقيمة 1,000 دولار كرأس مال ابتدائي.. قم على الفور بعد ذلك بعمل جدولة شهرية لإيداع نسبة مئوية مستقطعة من راتبك الشهري لحساب هذه المحفظة..
لنفترض بأن راتبك الشهري كما ذكرنا في المقال السابق هو 2,600 دولار أمريكي.. قم باستقطاع 5% من هذا الراتب واجعله مخصص لإيداعات شهرية (تساوي 130 دولار أمريكي شهرياً) لحساب المحفظة..
قد تقوم بعمل حسبة رياضية والادعاء بأن هذا المبلغ زهيد جداً ولن يقوم بتحريك رأس المال بشكل واضح.. تذكر فقط بأن هذا الإيداع الشهري يساوي 13% من رأس مالك الأساسي الذي قمت بإيداعه بعد فتح الحساب..
الأمر الآخر المهم جداً جداً هو التأثير النفسي لهذه الإيداعات الشهرية..
في السابق كنت تقوم بعمل إيداع بعد فتح الحساب مباشرة أو عند خسارة رأس المال أو جزء كبير منه أليس كذلك؟
هذه الإيداعات بسبب أنك غير قادر على التداول بدون رأس مال.. أو بسبب خسارة رأس المال..
الإيداعات الشهرية المستمرة تأتي على النقيض تماماً من ذلك.. هذه الإيداعات ستزيد عندك الشعور بالثقة بهذا العمل الذي تعمل جاهداً على تنميته وزيادة أصوله..
هذه الإيداعات ليست بسبب أنك غير قادر على التداول بسبب نقص رأس المال كما كنت تفعل بالسابق بل لأنك ترغب بزيادة رأس المال والاعتماد عليه في المستقبل حتى يصل إلى مرحلة تمكنك من سحب مبالغ شهرية قادرة على مواجهة مصاريفك اليومية الضرورية وللترفيه ايضاً..
وهذا يقودنا إلى العنصر الثاني في هذه المعادلة.. والمهم جداً
عدم التفكير بسحب الأرباح (نهائياً):
غالباً ما تصلني ايميلات واتصالات هاتفية من اشخاص يطلبون مني ترشيح وسيط تداول.. ثم يسألونني بعد ذلك على الفور هل هذا الوسيط يحمل مصداقية في موضوع السحب النقدي وتحويل الأموال عند طلبها!!
يجب عليك – وبشكل جدي – عدم التفكير في سحب ارباحك نهائياً لأن ذلك يعمل على نقيض ما تحاول انت إنجازه في هذه المرحلة.. أنت تحاول قدر الإمكان زيادة رأس المال من ارباح الصفقات ومن إيداعاتك الشهرية كما ذكرنا في النقطة السابقة..
سحب الأرباح له تأثيرات سلبية للغاية عليك وعلى محفظتك في وقت واحد.. عندما تفكر أولاً بسحب ارباحك بسرعة فهذا يعني أنك لا تثق بالسوق للاحتفاظ بهذه الأرباح بالرغم من أن الأرباح الحقيقية تأتي بعد إغلاق الصفقات وتحول هذه الأرباح العائمة إلى ربح حقيقي مسجل في المحفظة..
المتداول الذي يتحدث عن سحب أرباح بشكل مستمر ويدعي بأنه لا يثق بالسوق أو بالأخبار الاقتصادية التي قد تظهر فجأة هو – وبكل منتهى السهولة – لا يثق بنفسه هو وليس بالسوق الذي يتداول فيه.. وهو يخشى من خسارة هذه الأرباح التي حققها بعد فتح صفقات جديدة..
هذا بحد ذاته عامل مدمر للنفسية والذهنية التي نعمل على تحسينها كمتداولين في أسواق المال.. السحب المستمر يعني ذهنية تخشى من ضياع الأرباح ويشير إلى عدم ثقة في منظومة العمل التي يتبعها هذا المتداول..
الأمر الآخر السيء في موضوع سحب الربح المستمر هو خسارة العامل الذهبي والذي يطلق عليه الأعجوبة الثامنة في هذا العالم.. وهو الربح المركب على رأس المال الأصلي.. ويسمى بالإنجليزية Compound Interest
الربح المركب هو الأرباح الجديدة التي تحققها وتحتفظ بها مع رأس المال القديم لزيادة ارباحك المستقبلية في السوق..
عندما تقوم بفتح حساب جديد بقيمة 1,000 دولار فقط وتكون قادر على تحقيق ربح بنسبة 3% شهرياً فهذا يعني بأنك ستحقق ربح بقيمة 90 دولار في الشهر الأول.. ولكن في الشهر الستين (بعد خمس سنوات) سيصبح ربح 3% يساوي 515 دولار تقريباً!!
هل لاحظت في هذا المثال كيف اختلفت قيمة المبالغ المحققة شهرياً بسبب عدم سحب الأرباح وبسبب عمل الربح المركب مع الوقت.. قم بتمضية بعض الوقت بقراءة المزيد عن موضوع الربح المركب لتعلم مقدار الخسائر التي سببتها لنفسك سابقاً بسبب سحب الأرباح المستمر والاستغناء عن عامل الربح المركب في حسابك الاستثماري.
الاستمرار في التعلم (وإلى الأبد):
من الأمور العجيبة – والمفهوم اسبابها ايضا ً – هو استمرار الكثير على الحلم بالعمل كمتداول في السوق بدوام كامل بدون الحاجة إلى وظيفة ثابتة ولكن ايضاً بدون تقديم إثباتات واضحة على احقية تحقيقهم لهذا الحلم..
قم بعمل مراجعة سريعة على جدولك اليومي وأخبرني إن كنت تقوم باستقطاع ساعة واحدة على الأقل للتعلم والتدريب والتطوير قبل إخباري بأحلامك وأمانيك عن إمكانية تقديم استقالة والاعتماد على التداول فقط..
من أكبر الأخطاء التي يقع بها المتداولين في السوق وغير المتداولين في الحياة بشكل عام بالنسبة للتعلم هي أمرين في غاية الأهمية والخطورة.. والتي يفهمها الناس بشكل خاطئ في أغلب الوقت..
أول هذه الأمور هو أن الكثير يعتقد بأن التعلم يبدأ بوقت معين وينتهي بوقت معين.. تسمع عبارات كثيرة مثل (قمت بحضور العديد من الدورات التدريبية في الاستثمار والتحليل الفني في السابق) أو عبارة مثل (قمت بمشاهدة فيديوهات عديدة على اليوتيوب لمختصين يتحدثون عن تحليل الأوراق المالية)..
كل هذا جيد عزيزي القارئ ولكنه لا يعني بأنك قد حصلت على المعلومات التي تحتاج إليها للنجاح والتطور..
ما تحتاج إليه هو تخصيص وقت يومي للتدريب والممارسة وليس فقط الوقت اليومي الذي تقضيه بالبحث عن فرص جديدة في السوق!!
وهذا يعني أيضاً بأنك قد تكون بدأت بتعلم التداول في عام 2015 على سبيل المثال.. ولكن متى ستعلم في أي تاريخ يجب أن تكتفي من تعلم وتطبيق أشياء جديدة؟ لا نهاية لهذا الطريق.. اليوم الذي تموت فيه هو اليوم الذي ستتوقف فيه عن الحاجة للتطبيق والممارسة وتحسين الأداء.. وليس قبل ذلك.
الأمر الآخر الذي يفهمه الكثير بشكل خاطئ بأن التدريب والممارسة يجب أن يحدث مع مدرب أو محاضر مختص بذلك..
ولكن ماذا عن التعليم الذاتي؟ التعليم الذاتي هو الجوهر الحقيقي الذي يميز الخبراء والمحترفين الحقيقيين عن غيرهم وهو الطريقة المستخدمة لتحقيق الثروات الضخمة..
تذكر الحكمة التي تقول ”التعليم المنهجي والأكاديمي يساعدك على تحقيق أرباح لتسديد المصاريف.. ولكن التعليم الذاتي هو ما يجلب الثروة الحقيقية“..
الختام
الحلم بأن يصبح التداول والأرباح من هذه الأسواق المالية مصدر دخل رئيسي لنا يجعلنا قادرين على تقديم استقالة في يوم من الأيام والعمل على جهاز لابتوب من أي مكان في العالم وفي أي وقت نرغب به بذلك حلم رائع وجميل للغاية وأتمنى ألا تتنازل عن حقك في تحقيق هذا الحلم..
لكن العمل بشكل خاطئ لتحقيق حلم مستحق لأي شخص يعتبر تصرف غير صحيح – وغير مسؤول ايضاً – من جانب الكثير من المتداولين الذي يحرصون على حقهم في تحقيق احلام وردية ولكنهم يتنازلون أو يغضون الطرف عن الثمن الذي يجب دفعه للحصول على هذه السلعة (أو هذا الحلم)..
تذكر بأن النجاحات الساحقة التي تراها ونسمع عنها كل يوم عن أشخاص معينين هي في الواقع نتيجة مجموع جهود صغيرة يقوم هؤلاء الأشخاص بتكرارها يوماً بعد يوم بدون أن يراها أحد..
ما نراه فقط هو هذه الأحلام التي حققها الآخرين فقط.. وليس العمل الدؤوب المستمر خلف تحقيق هذه الأحلام..