أعود اليكم للكتابة بعد فترة انقطاع وذلك للتنبيه من الصكوك “المُغلفة” بمخاطر ائتمانية عالية وعائد ما بين 10% الى 13.5% والتي يتم تسويقها، عبر منصة الفنتك، للأفراد بسعر 1000 ريال للصك. هذا النوع من الإصدارات مُصنف، في حال وجد تصنيف بالمقام الأول، بأدنى درجات التصنيف الائتمانية. وهي تعتبر من الاستثمارات المُعقدة التي تتطلب دراسة متأنية من المتخصصين بأسواق الدين والقانونيين الماليين قبل اتخاذ قرار الاستثمار بها. وهي (أي السندات الإسلامية المقومة بعملة الريال والخاصة بالشركات الصغيرة الى المتوسطة) لمن يبحث عن مخاطر عالية وعائد ربحي يتوافق مع هذه المخاطر ويكون على استعداد لتقبل مخاطر التعثر وعدم السداد في المستقبل (في حال حدوثه). مع العلم أنه قد يتم تأجيل التعثر عبر إعادة التمويل، الأمر الذي يرفع درجات المخاطر على هؤلاء الأفراد الذين يستثمرون من أجل تنمية مُدخراتهم المالية. هناك أيضاً ملاحظات تتعلق بالإفصاح والتاريخ الائتماني لبعض الشركات المُستثمر بها وكون المستثمر سيكون على دراية بالتاريخ الائتماني للشركة قبل وبعد الاستثمار بأوراقها المالية. مع العلم أن من يستثمر فإنه لا يستطيع التخارج من الصكوك (المُرتكزة على عقد المرابحة) الا بعد حلول أجل الاستحقاق لكون أداة الدخل الثابت غير مُدرجة وغير مُتداولة بالبورصة المحلية لتداول.
رواد الفنتك
ومع هذا يُشكر المبادرون على توفير منصة لتقديم حلول مالية مُبتكرة للشركات التي تواجه تحديات للحصول على تمويل من القطاع المصرفي (إما بسبب تاريخها الائتماني المرتفع المخاطر أو بسبب عدم استطاعت تلك الشركات تقديم ضمانات أو أن تدفقاتها النقدية غير مُشجعة أو أن العائد الذي تطلبه المصارف للتعويض عن المخاطر فوق طاقة تلك الشركات). بل أن هؤلاء الرواد وراء المنصة يُشكرون كذلك على تجيير التقنية لتخفيض تكاليف الإصدار على الشركات التي تبحث عن تنويع مصادر تمويلها عبر أدوات الدخل الثابت. لأنهم بذلك أوجدوا سوقاً جديدة من العدم لهذا النوع من المخاطر.
لاحظ أن أفضل الممارسات الدولية تقتضي حصول جهات الإصدار على تصنيف ائتماني من جهة حيادية متخصصة في تقديم خدمة التصنيفات الائتمانية للشركات. لذلك فهناك تضارب مصالح في حال قيام شركة الفنتك بدور قريب لشركة التصنيف الائتماني (عبر تحديد درجة المخاطر) بحكم أن الجهة المرتبة للإصدار ستتلقى رسوماً خاصة بنجاح ترتيب الإصدار من الشركة المُصدرة للصكوك. لاحظ أنه يتم ذكر عوامل المخاطرة في نشرة الإصدار في الموقع في صفحة الطرح، ولكن لا يتم عمل تقييم للمخاطر كونه عمل يتطلب ترخيص اخر من هيئة السوق المالية. ومع هذا شاهدت فرص استثمارية للتمويل بالدين بحيث تم استخدام مصطلح "تصنيف الفرصة" ويتم بعدها منح درجات من (B إلى CC) وهذه الدرجات متطابقة مع سُلم درجات التصنيف الائتماني الشبه مُوحد عالمياً.
صكوك الفنتك
بل أنه ولأول مرة ساهمت شركة الفنتك السعودية في تعزيز سوق أدوات الدخل الثابت عالية المخاطر. فتلك الأوراق المالية تكون مُصنفة بأدنى درجات التصنيف الائتماني. لذلك يطلق المصرفيين المتخصصين بأسواق الدين على هذا السوق بـ”صكوك الخردة” أو سندات الخردة (junk bonds ). حيث نجح الرواد وراء شركة التقنية المالية، المصرحة من هيئة السوق المالية، في تزويد السوق بالصكوك ذات العائد المرتفع الذي تجاوز فيه حجم التمويل عبر الفنتك 100 مليون ريال (خلال الفترة من مايو الى يوليو 2021) وذلك بحسب حساب الشركة الرسمي بتويتر. مع العلم أن تحفظنا هنا يكمن في أن الأفراد، البالغ تعدادهم بحسب بيانات المصدر 6330 مستثمر في ظرف 3 أشهر فقط، يُقبلون على عمليات التمويل لتلك الشركات، المُتدنية في سلم هرم التصنيف الائتماني ومعظمهم غير مُدرك للمخاطر الائتمانية لهذا المُنتج المُعقد الذي يتم في العادة بحسب العُرف، تسويقه للمستثمرين المؤسسيين. لاحظ أن معظم الأفراد، خلال الفترة المذكورة أعلاه لا يتمكنون من قراءة نشرة الإصدار بتمعن بحكم أن فترة الاكتتاب بتلك الإصدارات يتم إغلاقها بسرعة فائقة بسبب جاذبية العائد. و «صكوك الخردة” هي السندات الإسلامية ذات التصنيف الائتمانـــي المنخفض والذي يصاحبها عائد مرتفع مع ارتفاع احتمالية تعثر تلك الشركات عن سداد قيمة الصك. وفي حالة التعثر فإن الأفراد، بعكس المستثمرين المؤسسيين، لا توجد لديهم الموارد المالية والبشرية لاستعادة أموالهم كاملة.
لغة الأرقام
لا حظ أن سرعة إقبال الأفراد على صكوك “الخردة” عالية المخاطر خلال فترة زمنية قصيرة تثير العديد من المخاوف (لا سيما إذا ما كانت الثقافة المالية التي لديهم تساعدهم في صناعة القرار الاستثماري الصحيح من عدمه). حيث جرت العادة بالأسواق المالية بأن يتم اتاحة الاستثمارات المُعقدة الى المؤسسات المالية التي تستطيع تقييم المخاطر (بل وتحديد فترة زمنية كافية لتقييم المخاطر خلال فترة الاكتتاب). وبلغة الأرقام فإن أعداد المستثمرين الأفراد بالصكوك عالية المخاطر (البالغ 6330 مستثمر) يعادل 0.67% من الأفراد الذين استثمروا بالصكوك الحكومية على مدار سنتين وذلك منذ قرار تخفيض القيمة الأسمية للصك من مليون ريال الى 1000 ريال. والصكوك الادخارية الحكومية تعتبر من الأصول الآمنة ذات العائد المنخفض الى المتوسط. نأخذ في عين الاعتبار وأنه بحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي فإن الثقافة المالية لا تزال منخفضة بالمقارنة مع بلدان مماثلة حيث أن 30% من البالغين في السعودية يمكن اعتبارهم ملمين بالشؤون المالية.
تقييد استثمارات الأفراد
فمن خلال خبرتي المتواضعة بأسواق الدخل الثابت التي تمتد لأكثر من عشرة سنوات والتي شاركت فيها بتقديم المشورة لحكومات وشركات تعمل بالأسواق الناشئة فإنني لم أشاهد هذا النوع من اقبال الأفراد على صكوك الشركات عالية المخاطر كما هو يجري حالياً بسوقنا المحلية. بل أن ما شاهدته كان بالمُعظم عبارة عن تشريعات تنظيمية تقيد حركة استثمارات الأفراد بأدوات الدين وجعل استثمارات السندات والصكوك مُقتصرة على الإصدارات السيادية الآمنة، فضلاً عن تشجيع الجهات الرقابية لشركات التقنية المالية من أجل تسخير منصاتهم لتشمل جذب سيولة الأفراد نحو دعم خطط التنمية لبلدانهم عبر المشاركة في إصدارات السندات والصكوك السيادية.
الحلول
فمثل ما قامت به “تداول” عندما قيدت استثمار الأفراد عبر السوق الموازية (نمو) الخاصة بالأسهم، فإننا نأمل من الجهات التنظيمية إعادة النظر بمخاطر صكوك الفنتك (والصادرة من الشركات ذات الجدارة الائتمانية الضعيفة) ومشاركة الأفراد بها. صحيح أن عائد التوزيعات الدورية لصكوك الخردة يلامس 10% ولكن ليس كل “ما يلمع ذهباً”. إن فكرة إيجاد منصة، نجحت بسرعة قياسية في جذب سيولة الأفراد نحو الصكوك في زمن قياسي، لهو نجاح بذاته لأن شركة التقنية المالية تلك حققت ما عجزت عنه شركات الوساطة (من حيث تجيير التقنية نحو جذب الأفراد نحو الصكوك الحكومية الآمنة). ولأن هذا القطاع (أي منصات التقنية المالية) في طور النمو حبذا لو تصدر تشريعات تُقيد استثمارات الأفراد العالية المخاطر بأدوات الدخل الثابت وتشجيع تلك الاستثمارات لتتوجه نحو صكوك الشركات الحكومية التي لديها جدارة ائتمانية قوية وكذلك تسهيل حصول شركات التقنية المالية لتحصل على ترخيص يجيز لها قبول طلبات اكتتاب الأفراد بالصكوك الادخارية الحكومية.