حينما تلعب دولة من دول ذات الاقتصادات القوية آلة الأوركسترا فإن الكل يتجه هناك للغناء. أثارت السياسة التشديدية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تبدو أنها مصرة كثيرا للتصدي لموضوع التضخم ووضعه تحث أيدي السيطرة وإعادته لمستوياته الطبيعية في حدود 2% سخط الاقتصادات الناشئة.
فاجتذاب الاقتصاد الأمريكي لرؤوس الأموال الساخنة للداخل بفعل العوائد المغرية، جعل الكل يعيد حساباته ويفكر كيف يقلل من تبعات هذا الأمر على اقتصاد بلده. فصار أمرا طبيعيا أن يحاول الكل تكييف أسعار الفائدة الخاص بدوله مع الوضعية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الدولي بشكل عام بسبب ارتفاع أسعار منتجات الطاقة والغذاء نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية مطلع شهر فبراير المنصرم.
فبعد بلوغ التضخم لمستويات لم يتوقعها الفيدرالي قط بفعل السياسة المتساهلة والمساعدات المحتشدة للشعب والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية خلال جائحة كورونا للتصدي لتبعات الإغلاق على السوق الأمريكي وارتفاع مستويات الطلب بعدها وعدم تمكن سلاسل التوريد العالمية للتأقلم مع هذا الوضع الصعب.
زادت الحرب الأوكرانية الطين بلة وانطلق إنذار الركود والذي حصل بالفعل وبشكل رسمي خلال الإعلان عن أرقام نمو السوق الأمريكية يوم الخميس الماضي والتي شهدت انكماشا للربع الثاني على التوالي بعد أن توقع الكل نموا خلال هذا الربع وبالتالي دخل الاقتصاد الأمريكي فترة ركود حسب التعريف الأمريكي.
على الرغم من أن الجهات الفاعلة في أمريكا لا تزال تحاول الطمأنة بأن الاقتصاد على ما يرام والإنفاق لا زال مرتفعا إلا أن الاقتصاد يتباطأ ومستويات طلبات الإعانة بدأت في الارتفاع ولم يبد التضخم إلى حدود الساعة أي إشارات على التراجع.
استمر الفيدرالي الأمريكي خلال الاجتماع الماضي برفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس وكان السوق و / الدولار أساسا مسعرا ومتوقعا هذه الخطوة بحيث لم يكن متشدد كما كان قبل وبالتالي لم يضف أي إيجابية على الدولار.
وفي نفس الوقت لم يؤثر عليه بالسلب ولم يقف عائقا أمام استمرار ارتفاعه أمام {{18/ الليرة التركية}} وكسب فوائد عليها، خصوصا مع صدور بيانات الحساب الجاري وتعمق الأرقام السلبية أكثر مقارنة بالبيانات الماضية، وبالتالي فإن الوضع في تركيا ليس جيدا أبدا على الرغم من تحسن مؤشر ثقة المستهلك لشهر يوليو.
إن الجحيم هو الأخر، عبارة تلخص بمنتهى السهولة وضعية الاقتصادات الناشئة بفعل إجراءات الدول القوية، ومن بينها تركيا، التي تشهد اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية والوضع الاقتصادي والحالة الصعبة وارتفاع تكاليف الحياة يوما بعد آخر وتزعزع ثقة المستثمرين والمواطنين الأتراك في قرارات المؤسسة الحاكمة، هي ما يشغل الصورة الأمامية في المشهد التركي خاصة والدولي عامة.
وبالتالي من اللازم القول بأن الوضع سيستمر على هذا المنوال فيما تبقى من هذه السنة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية والتذبذبات التي يشهدها قطاع الطاقة، متبوعا بالغذاء، على الرغم من تراجع أسعار / البترول بفعل المشاعر السلبية من الركود والخوف وحصول تباطؤ في الاستهلاك بفعل تراجع أرقام الاقتصاد الصيني، الذي يعد من أكبر الدول المستوردة والمستهلكة للذهب الأسود، في حين تم استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية بعد اتفاق كلا الطرفين برعاية تركيا.
هناك مشكل الثقة بشكل عام بخصوص حصول أي انفراجة وتنفس الأوضاع في اقتصادات دول العالم، فمن ركود الولايات المتحدة وتعب القارة العجوز بفعل لفحات البرد الروسية، وتعثر باقي اقتصادات العالم بفعل استيراد التضخم وخروج الأموال الساخنة المتعطشة للربح السريع، فالأصح القول إن أمريكا تلعب سيمفونية أثارت لهب المستثمرين الأجانب فاتجه الكل للغناء هنالك وتركوا كل شيء مضطرب وراءهم.