الغاز الطبيعي هو حجر الأساس في الاقتصاد الأوروبي. وإذا كان معظم العالم يكافح مع ارتفاع أسعار الطاقة، فإن أوروبا تتعرض لأشرس هجمة بيننا. وهذا يجبر القادة الأوروبيين على الارتجال في خطط الإنقاذ وإجراءات الطوارئ لتجنيب المستهلكين الألم الاقتصادي المدمر في الشتاء.
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء إلى مستويات "سخيفة"، مما زاد الضغط على المستهلكين والشركات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. ومع تفاقم أزمة الطاقة، قفز التضخم في أغسطس إلى 9.1% في منطقة اليورو.
كيف سيتدخل الاتحاد الأوروبي للسيطرة على أسعار الغاز؟
يستعد الاتحاد الأوروبي للتدخل في الأسواق مباشرة على المدى القصير للحد من ارتفاع تكاليف الطاقة على الأسر والشركات، والتي تهدد بدفع اقتصاد المنطقة إلى ركود عميق.
وتعمل المفوضية الأوروبية على مقترحات طارئة غير محددة حتى الآن لتخفيف التكلفة هذا الشتاء، قبل اجتماع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي في 9 سبتمبر. بينما تسير جهود ملء مواقع التخزين بسرعة أكبر من المحدد، مما يوفر بعض الراحة ويزيد من فرص أوروبا في اجتياز فصل الشتاء بإمدادات كافية.
ما الإجراءات المقترحة؟
1. تحديد سقف سعر النفط الروسي، أي عدم شراءه فوق سعر معين، بهدف تقليص قدرة الكرملين على تمويل الحرب في أوكرانيا وحماية المستهلكين. وحذرت موسكو من أنها لن تبيع النفط للدول التي تدعم فرض سقف سعري للخام الروسي.
2. اتفق الاتحاد الأوروبي في أواخر يوليو على خفض استخدام الغاز بنسبة 15٪ هذا الشتاء من متوسط مستويات الشتاء في 2017-2021. وكان استهلاك الغاز في أوروبا في النصف الأول من أغسطس أقل بنسبة 11%. وتراجع استخدام الغاز في ألمانيا بنسبة 21٪ في يوليو مقارنة بمتوسط 2018-2021.
3. ستدخل إجراءات ألمانيا لتوفير الطاقة حيز التنفيذ هذا الشهر. ويتضمن ذلك حظرًا على تدفئة أحواض السباحة الخاصة بالغاز، وتقليل إضاءة المعالم العامة، وفرض حظر على المتاجر التي تعمل بنظام تدفئة طوال اليوم. إذ تحتاج ألمانيا إلى خفض استخدام الغاز بنسبة 20 إلى 25٪ هذا الشتاء، إذا أردت النجاة.
4. كما أطلقت ألمانيا حزمة طوارئ بقيمة 65 مليار دولار لحماية المستهلكين، وستفرض ضريبة على أرباح شركات الطاقة.
5. تفكر ألمانيا في وضع حد أقصى لسعر الغاز، وهو إجراء سبق أن جادلت ضده أوروبا ورفضته. لكنها تفكر فيه حاليًا.
6. كما تعمل بريطانيا على إعادة فتح أكبر منشأة لتخزين الغاز في المملكة المتحدة.
7. تقنين استخدام الكهرباء بكميات محددة هذا الشتاء. وخفض استهلاك الغاز والكهرباء في الصناعات والمباني.
8. احتمال تحديد سقف أسعار الطاقة المتجددة والنووية والفحم، والإيقاف المؤقت لتداول مشتقات الطاقة.
هل ملء مخزونات الغاز الطبيعي كافي لتأمين الوقود في الشتاء؟
يسير الاتحاد الأوروبي على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف ملء مخزون الغاز. إذ ستتجاوز البلدان هدفها بامتلاك 80٪ من التخزين الكامل بحلول نوفمبر، بعدما امتلأت منشآت التخزين الأوروبية بنسبة 79.9٪ في المتوسط.
لكن يحذر المحللين من أن العامل الأكبر لتأمين الطاقة هذا الشتاء هو خفض الاستهلاك بما يكفي لضمان استمرار الوقود المخزن خلال الأشهر الأكثر برودة. وللتعامل مع هذا الوضع المتأزم سيكون خفض الطلب والاستهلاك أكثر أهمية من التخزين.
ولكن إذا فشلت الدول في تقليل استخدام الوقود، ستكون منشآت الغاز الأوروبية فارغة بحلول شهر مارس وقبل انتهاء الشتاء. ولتفادي الأزمة، تحتاج الدول إلى خفض استخدام الغاز كل شهر بنسبة 15٪ أقل من متوسط الخمس سنوات. وسيؤدي ذلك إلى وجود مخزون إلى ما بعد الشتاء بنسبة 45٪ إذا واصلت روسيا إرسال الغاز عبر نورد ستريم 1، و26٪ إذا قطعت روسيا الإمدادات كما حدث.
وعدم وجود غاز روسي وعدم خفض استهلاك الغاز يمكن أن تتضطر الحكومات إلى تقنين استخدام الكهرباء بكميات محددة هذا الشتاء.
ما مقدار الغاز الروسي الذي يصل لأوروبا الآن؟
تمد روسيا أوروبا بأكثر من 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، لكن بعد الحرب في أوكرانيا، انخفضت التدفقات الروسية بشكل حاد بالفعل.
إذ خفضت موسكو الإمدادات عبر خط الغاز نورد ستريم 1، خط الأنابيب (TADAWUL:2360) الرئيسي لأوروبا، إلى 40٪ من طاقته في يونيو ثم إلى 20٪ في يوليو. وكانت المبررات أنها بسبب مشكلات الصيانة والعقوبات التي تقول روسيا إنها تمنع إعادة المعدات وتركيبها.
وتبلغ كمية الغاز التي ترسلها روسيا عبر نورد ستريم 1 الآن 20٪ فقط، لذلك التخزين وحده لن يكون كافي لإعادة التوازن للأسواق. خاصة، مع تكرار إغلاق خط الأنابيب الروسي باختلاف الأسباب. إذ أغلق لمدة 10 أيام في يوليو. وأغلق مرة أخرى الأسبوع الماضي لمدة ٣ أيام بداعي الصيانة.
وفي نهاية عطلة الأسبوع الماضي، أعلنت شركة غازبروم الروسية إغلاق خط نورد ستريم 1، الذي ينقل الغاز لأوروبا، إلى أجل غير مسمى، ردا على تفكير أوروبا في وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي.
أسعار قياسية جنونية!
مع اشتعال أزمة طاقة في أوروبا، تسببت حالة عدم اليقين بشأن تدفق الغاز الطبيعي في ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة. إذ:
1. بمقياس النفط، وصل سعر الغاز الطبيعي إلى ما يعادل 500 دولار لبرميل النفط، أي عشرة أضعاف متوسط سعر النفط حاليًا (100 دولار).
2. ومقارنة بالأسعار في الولايات المتحدة، ارتفع الغاز في أوروبا إلى أكثر من 10 أضعاف مستواها في أمريكا، إذ يتداول الغاز الأمريكي بالقرب من 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
3. بينما وصلت أسعار الغاز الأوروبية إلى مستوى قياسي فوق 343 يورو لكل ميغاواط/ساعة، أي 100 دولار لكل مليون وحدة حرارية.
- وبالطبع أثارت هذه الأرقام المخاوف من صقيع الشتاء القادم والمنازل الباردة دون وجود الغاز للتدفئة، بالإضافة للتهديد الصريح للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
4. وهذا لا يروي سوى جزء من القصة. إذ وصلت أسعار العقود الآجلة للطاقة الألمانية للعام المقبل، المعيار الأوروبي، إلى 1000 يورو لكل ميغاواط/ساعة للمرة الأولى الأسبوع الماضي، قبل أن تهبط 54% بحلول نهاية الأسبوع مع خطط الاتحاد الأوروبي للتدخل. في بداية 2020، كانت أقل من 40 يورو.