يراهن البريطانيون على الكفاءة الاقتصادية لرئيس الوزراء الجديد ريشي سوناك باعتباره الاختيار المفضل للأسواق، فالرجل ذي الأصول والملامح الهندية يملك خبرة مالية وتجارية افتقدتها سابقته ليز تراس، وبالإضافة إلى ذلك، فهو مخضرم في التعامل مع الحماقات الاقتصادية التي فاقمت العجز المالي للبلاد، وهذا الأمر يبدو جيدًا على الورق، لأن بريطانيا لديها مشكلة عويصة على مستوى النمو وتكاليف المعيشة.
من الأفضل أن يكتشف سوناك بنفسه طريقة مبتكرة لإخراج اقتصاد بلاده المتدهور من حالته البائسة، ولا شك أن وجوده على رأس العمل فرصة ذهبية للقضاء على حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي التي تفاقمت في المملكة المتحدة بشكل غير مسبوق منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وإلا فسينضم إلى ليز تراس، بصفته رئيس الوزراء الأخير لحزب المحافظين، بعدما أجبر محترفو السوق المرأة التي كان البعض يمني نفسه أن تصبح حديدية مثل مارجريت تاتشر، أجبروها على الاستقالة من خلال تفريغ الديون، وإغراق الاقتصاد في لحظة بنك ليمان براذرز.
والواقع، أن ردة فعل السوق عقب إعلان تولي سوناك سريعة جدًا، فقد تم تداول الجنيه الاسترليني بانخفاض طفيف، بينما ارتفع مؤشر بورصة فاينانشيال تايمز قليلاً، ولأسباب واضحة، يبدو أن الاقتصاد الإنجليزي يسير إلى حد كبير على خطى الاقتصاد الأمريكي في السبعينيات، مثقلًا بالركود العلماني، وهو المصطلح المفضل لدى الخبراء الاقتصاديين لوصف احتمالية حدوث القليل من النمو لسنوات متتالية، بالتزامن مع التضخم الهائل، ونعتقد أن البيانات المقبلة قد تُظهر حالة الركود الفعلية في بريطانيا.
قد تكون بعض المشاكل نتيجة مباشرة لتكاليف الانعزالية عن بقية دول أوروبا عبر "بريكست"، فيما يعود معظمها للتضخم وأعباء الضرائب المرتفعة التي تثبط الاستثمار، خاصة وأن عمليات الإغلاق خلال الوباء أدت إلى توقف الاقتصاد عن العمل، بينما أدى الإنفاق المالي الهائل، وانخفاض معدلات الفائدة إلى زيادة التضخم، وكل ذلك في ظل زعماء حزب المحافظين، بما في ذلك بوريس جونسون الرجل الذي حلت محله ليز تراس.
والآن يدفع الشعب البريطاني الثمن، فالتضخم يحوم حول 10٪ وآخر تقرير للناتج المحلي الإجمالي يُظهر انكماش الاقتصاد بنسبة 0.3٪، ويأمل البريطانيون أن تساعد خطة سوناك الاقتصاد أو الرجل المريض على اليقظة، ولهذا السبب يقيم سوناك الآن في 10 داونينج ستريت، وقد يجري سوناك بعض التعديلات على الاستراتيجية الاقتصادية لرئيسه القديم، جونسون، فقد كان وزيراً لخزانته، وعبر هذه التعديلات يمكنه زيادة الضرائب أكثر لدفع تكاليف الديون التي تقترب من 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وربما تكون هذه وصفة لمزيد من الركود العلماني، لأنها ستثقل كاهل الشعب البريطاني بمزيد من البؤس الاقتصادي، ويمكن أن تستفز اليساريين المتعصبين الذين يديرون حزب العمال لاستئناف الدعوة إلى انتخابات قادمة.
لكن، سوناك ليس مخدراً أو بعيداً عن الواقع الاقتصادي، فهو يتحدث باستمرار إلى زملاؤه القدامى مديري صناديق الأموال وكبار مستثمري السندات، وأخبروه أن التقشف مهم عندما يكون العجز بهذه الضخامة، وهو يدرك أن النمو سيكون مفتاحًا لبقائه في منصبه فترة أطول وللدولة أيضاً.
يتعين على رئيس الوزراء الجديد الآن أن يفعل ما لم تستطع ليز تراس فعله، وبكل الوسائل المشروعة، إذ لا يمكن تنمية الاقتصاد عن طريق فرض ضرائب على الأعمال التجارية، وقد يتعين تقديم مساعدات للشركات التي تعاني من فواتير الطاقة الضخمة، والاشتباك مع إشكالية نقص اليد العاملة.
كما يجب على بنك إنجلترا التوقف فوراً عن طباعة النقود، وبكل تأكيد سيحتاج الوافد الجديد إلى إجراءات تقشفية تشمل خفض الإنفاق الحكومي، وإذا لم يتمكن ريشي سوناك من تحقيق ذلك، فسيكون عاطلاً عن العمل قريبًا، تماماً، مثل سابقته ليز تراس، ورئيسه القديم بوريس جونسون.