تعرض الدولار الأمريكي في الشهور القليلة الماضية لتراجعات ملحوظة بفعل هدوء الفيدرالي في سياسته النقدية، بيد أن التراجع الفترة المقبلة لن يكون بسبب سياسة الفيدرالي النقدية فقط، إذ إن التحول نحو تكديس الذهب والتخلي عن الدولار بجانب الأزمات الداخلية في أمريكا سوف تضعف الدولار بمرور الوقت، ليفقد قوته في نهاية المطاف وهيمنته على المعاملات الدولية.
وفي هذا الشأن، قال جون بولسون، مؤسس شركة بولسون وشركاه، إن الذهب سيرتفع في القيمة بينما ينخفض الدولار الأمريكي بمرور الوقت. وهذه هي توقعات مدير صندوق التحوط لهذا العام، والسنوات الثلاث المقبلة، بل والسنوات الخمس المقبلة.
بيد أن هذه الضربات التي تلقاها الدولار لم تكن من الذهب فقط، أو من دول كالصين وروسيا، بل من الداخل أيضًا كأزمة الديون الأمريكية التي تهدد زعامة الدولار على المعاملات المالية العالمية.
الذهب: ادخار.. استثمار.. مضاربة
تربع الذهب على عرش الأصول الاستثمارية الآمنة خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك لكونه الأداة الأكثر أمانًا لحفظ وتعظيم للأموال، سواء كان ذلك بالادخار أو الاستثمار أو حتى المضاربة.
وفي هذا الويبينار المجاني المقدم من "إنفستنغ السعودية" سنتعرف على تفاصيل مهمة حول تداول الذهب، وذلك من خلال تحليل فني وأساسي شامل يقدمه خبير التداول أ. غيث أبو الهلال.
تكديس الذهب.. مجرد بداية
أكد بولسون: "أن هناك زيادة كبيرة في الطلب من البنوك المركزية لاستبدال الدولار بالذهب، وهذه مجرد بداية فقط".
وقال بولسون في مقابلة "الذهب سيرتفع وسينخفض الدولار، لذا سيكون من الأفضل لك الاحتفاظ باحتياطياتك الاستثمارية من الذهب في هذه المرحلة والتخلي عن الدولار".
مسلطًا الضوء على اتجاه إزالة الدولرة وأشار إلى أنه مع مخاوف التضخم والتوترات الجيوسياسية الجديدة، يجذب الذهب مستثمرين جدد باستمرار.
وقال بولسون: "لا يزال الدولار مهيمنًا للغاية من حيث الاحتياطيات والتجارة، لكن الاقتصاد الأمريكي ليس القوة الآن التي كان عليها سابقًا".
بديل الدولار.. الذهب واليوان
وتابع بولسون: "الدول لا تريد الاعتماد على الدولار بقدر ما كانت ترغب في الماضي". حيث إنه معرض للانخفاض مقابل العملات الأخرى، مشيرًا إلى طباعة الأموال الضخمة والإنفاق المالي والتيسير الكمي السابق والتضخم.
"إذا كان لديك دولار وتضخم بنسبة 9٪، فقد خسرت هذا العام 9٪ من أموالك ؛ ولم تكن أسعار الفائدة قريبة من التعويض عن تلك الخسارة. وهذا يدفع المستثمرين والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم للبحث عن عملة احتياطية بديلة".
يمثل الذهب بديلاً مشروعًا للدولار والأموال الورقية الأخرى. ومع تزايد الخوف من العقوبات، تدرك دول مثل الصين أنه يمكن تجميد احتياطيات الولايات المتحدة. وإذا انهار الدولار سيؤدي ذلك إلى تعزيز مكانة الصين باعتبارها أكبر منافس للولايات المتحدة على النفوذ العالمي، ورغم أنه من المرجح أن يحل اليورو محل الدولار باعتباره عملة رئيسية في العالم، إلا أن هذا يعني أن اليوان الصيني سوف ينتقل إلى المركز الثاني.
وستتعزز مكانة الصين دوليًا مع تحول اليوان إلى عملة دولية، حيث تعمل الصين مع دول البريكس الأخرى (البرازيل وروسيا والهند) لقبول اليوان كوحدة حساب عالمية. ومع استياء الدول الثلاث بالفعل من الهيمنة الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة، فإن تخلف الولايات المتحدة عن السداد سيدعم هذا الجهد.
وأكد نورييل روبيني، كبير الاقتصاديين في Atlas Capital Team المعروف بالدكتور دووم أن النظام أحادي القطب سينتهي، بجانب انتهاء أيضًا هيمنة الدولار قريبًا.
ويقول دكتور دوم: "يشكل اليوان الصيني تهديدًا لهيمنة الدولار الأمريكي". بينما توقع ظهور نظام عملة ثنائي القطب.
الصين تعزز مشترياتها من الذهب
وفقا لأحدث البيانات المعلنة من جانب مجلس الذهب العالمي التي نشرت يوم الأربعاء، انتعشت واردات الصين من الذهب بقوة خلال النصف الثاني من عام 2022 لتسجل واردات الجمهورية الشعبية من المعدن الأصفر أعلى مستوى لها منذ عام 2018.
وفي هذا الصدد، ذكر التقرير الصادر عن مجلس الذهب العالمي أن واردات الصين من الذهب ارتفعت بنسبة 64٪ على أساس سنوي في العام الماضي، وعلى أساس شهري، بلغت واردات الصين من الذهب 157 مليون طن في ديسمبر السابق.
كما أشارت البيانات الأخيرة، إلى أن بلغ إجمالي كمية الذهب المسحوبة من بورصة شنغهاي في يناير من هذا العام 140 مليون طن ، بنسبة انخفاض تصل إلى 25٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويُذكر في هذا الشأن، أن بنك الصين الشعبي أعلن بوقت سابق من هذا الشهر، عن زيادة حيازته من الذهب للشهر الثاني على التوالي.
واشترت الصين، في 2022، من سويسرا، 524 طنًا من الذهب، بحوالي 33 مليار دولار، وفقًا لدائرة الجمارك السويسرية. وتعد هذه أكبر كمية في أربع سنوات. فقد ارتفعت واردات المعدن الأصفر بنسبة 48٪ (354 طنًا) مقارنة بالعام 2021.
وزادت واردات الصين من الذهب الروسي أيضا. فوفقا لدائرة الجمارك الفدرالية الروسية، اشترت بكين 6.6 طن من المعدن الثمين من موسكو، العام الماضي. وبلغ النمو 67٪ مقارنة بالعام السابق.
الاتجاه للذهب.. والتخلي عن الدولار
وقال بولسون: "إذا احتفظت بأموالك بالعملات الورقية، فإنك تواجه خطرًا، بسبب الأحداث الجيوسياسية، من إمكانية الاستيلاء على احتياطياتك. كما فعلت البنوك المركزية مع روسيا. ربما تعتقد الصين أنه نظرًا لأن لديهم الكثير من احتياطياتهم بالدولار، إذا دخلوا في خلاف جيوسياسي مع العالم الغربي حول تايوان أو أي شيء آخر، فهناك احتمال أن يتم تجميد هذه الاحتياطيات، كما فعلوا مع روسيا".
وأشار الملياردير إلى أنه مع وجود الذهب المادي، لا توجد مثل هذه المخاطر، بالإضافة إلى أن هناك احتمالًا جيدًا جدًا بأن ترتفع أسعار احتياطيات المعادن الثمينة.
"نحن في بداية الاتجاهات التي ستزيد من الطلب على الذهب، وسيحدد التضخم والتوترات الجيوسياسية معدل زيادة الذهب. هذا العام سيرتفع الذهب مقابل الدولار وأيضا على أساس ثلاث وخمس وعشر سنوات".
مأزق التخلف عن السداد
تمثل أزمة الديون التهديد الأكبر حاليًا لقوة الدولار، إذ أن تخلف الولايات المتحدة عن سداد دينها يهدد بحدوث أزمة مالية عالمية وبتقويض الدولار، مما يوجه ضربة مدمرة للاقتصاد الأميركي والعالمي.
بعد أن استعاد الجمهوريين الأغلبية في مجلس النواب في الانتخابات الأخيرة، هددوا بعدم السماح بزيادة سقف الدين ما لم يقترن بتخفيضات في الإنفاق. وتزيد هذه الخطوة من خطر وقوع الحكومة الأميركية في مأزق التخلف عن السداد.
بيد أن خطر التخلف عن سداد الدين ينذر بعواقب وخيمة، ولنا في أغسطس 2021 عبرة، حيث أدى احتمال حدوث تخلف عن السداد في ذلك الوقت إلى خفض غير مسبوق للتصنيف الائتماني للدولة مما أضر بالمكانة المالية للولايات المتحدة وتسبب في خسائر ملحوظة.