بدأ الجنيه المصري في التحرك صوب مستويات الـ 31 أمس الخميس بعد استقرار دام لأيام، بالتزامن مع قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن رفع الحد الأدنى للأجور، إذ يربط البعض بين هذا التحرك المفاجئ في سعر الجنيه مع رفع الأجور بتخفيض جديد في قيمة العملة المصرية خلال الأيام القادمة، إذ أن تعويم أكتوبر قد تزامن أيضًا مع رفع للحد الأدنى للأجور.
يأتي ذلك في ظل توقعات انخفاض الجنيه أمام الدولار من قبل مؤسسات وبنوك دولية إلى مستويات الـ 35 جنيه للدولار الواحد على المدى القريب وخلال هذا الشهر لأسباب عدة.
بالتزامن أيضًا مع اقتراب البنك الأهلي المصري وبنك مصر من موعد صرف مستحقات شهادات الـ 18%، البالغ حصيلتها 750 مليار جنيه والموزعة بينهم بنحو 530 و220 مليار جنيه على الترتيب.
تابع أيضًا:
رفع الأجور والتعويم
في أكتوبر الماضي، وقبل ساعات من تعويم الجنيه، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، عن إقرار حزمة جديدة للحماية الاجتماعية في البلاد بقيمة 67 مليار جنيه تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور في مصر إلى 3 آلاف جنيه شهريا.
وقال مدبولي عقب اجتماع للحكومة آنذاك، إن حزمة الإجراءات الجديدة تتضمن رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في الحكومة من 2700 إلى 3 آلاف جنيه.
ومنذ ساعات أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الخميس، عن حزمة قرارات جديدة لتحسين أجور العاملين بالدولة، في الوقت الذي تواجه البلاد موجة تضخمية كبيرة نتيجة تداعيات الحرب الأوكرانية وتراجع سعر الجنيه، فهل تكون هذه مقدمة لتخفيض محتمل لقيمة الجنيه المصري مثلما حدث من قبل؟
ووجه السيسي الحكومة بالتعجيل بحزمة القرارات لمواجهة الضغوط الاقتصادية على المواطنين، ليبدأ تطبيقها من أول أبريل 2023، والتي بموجبها سوف يزداد دخل الموظفين في الدولة والكادرات الخاصة، بحد أدنى ألف جنيه (حوالي 32.5 دولار) شهريا.
وتشمل الحزمة أيضا زيادة المعاشات بنسبة 15 بالمئة اعتبارا من أول إبريل، بالإضافة إلى زيادة معاشات برامج تكافل وكرامة بنسبة 25 بالمئة.
كما قرر السيسي رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه ليكون بقيمة 30 ألف جنيه سنويا اعتبارا من أول إبريل 2023.
شهادات الادخار والتعويم
يترقب عملاء القطاع المصرفي المصري إصدار البنوك شهادات إدخارية جديدة ذات سعر فائدة أعلى من شهادات الـ 25% وذلك مع اقتراب استحقاق شهادات الـ 18% هذا الشهر، بسبب صعود معدلات التضخم إلى مستوياتها القياسية عند 31.2% بنهاية يناير الماضي.
وغالبًا ما يتزامن إعلان رفع الفائدة مع تعديل محتمل لسعر العملة، خاصة في مصر، وذلك من أجل السيطرة على الأسعار وسحب السيولة من السوق، وهو الأمر الذي حدث في 4 تعويمات سابقة للعملة.
يناير 2023
ويوم 4 يناير الماضي، وعقب قرار البنك المركزي المصري، بإعلان زيادة جديدة بأسعار صرف الدولار، أعلن البنك الأهلي المصري وبنك مصر عن طرح شهادة بسعر فائدة قياسية يصل إلى 25% سنويا وهي الأعلى على مستوى الجهاز المصرفي بهدف تحفيز العملاء على الاستثمار في الجنيه المصري وتقليل صدمة ارتفاع الدولار أمام الجنيه.
وكان سعر الفائدة على الشهادات الجديدة يبلغ نحو 22.5% سنويا لدورية صرف العائد الشهرية، أو 25% يصرف في نهاية المدة.
وتم طرح الشهادة لمدة سنة واحدة، وكان الحد الأدنى لربط الشهادة يبدأ من أول ألف جنيه. وكانت متاحة للعملاء في فروع البنكين، والقنوات الرقمية (الإنترنت والموبايل البنكي) والكول سنتر (الخط الساخن).
أكتوبر 2022
في أكتوبر من العام الماضي عقد المركزي المصري اجتماعًا استثنائيًا ليقرر فيه تعويم الجنيه للمرة الثانية خلال عام بعد زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس.
مارس 2022
وهو الأمر ذاته الذي حدث في تعويم مارس 2022، وذلك عندما رفع المركزي المصري بشكل مفاجئ أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في 21 مارس 2022، وبعدها بساعات حدث تعويم للعملة. حيث وصل سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 10.25% وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 9.25%. وقفز الدولار حينها سعر الدولار إلى 18.50 جنيه في تداولات الثلاثاء 22 مارس 2022 بعدما كان يحوم قرب مستويات الـ 15.50.
الأول .. 2016
وأيضًا ارتبط رفع الفائدة بتعويم منذ 2016 عندما تم رفع فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس مرة واحدة إلى 14.75% و15.75% على الترتيب بالتزامن مع تحرير أسعار الصرف، حيث قفز الجنيه حينها فوق مستويات الـ 13 جنيها، مقابل 8.88 جنيهات قبل التعويم.
تحرك الجنيه أمس
بعد ثبات دام لأيام، تحرك الجنيه المصري أمس أمام العملات الأجنبية بالبنوك المصرية، ليعود للانخفاض من جديد صوب مستويات الـ 31 جنيه للدولار الواحد، حيث انخفض بما يقرب من 10 قروش.
ويتزامن ذلك مع تحركات ملحوظة لأسعار الذهب في مصر التي شهدت ارتفاعات قوية مقارنة بالمستويات المسجلة يوم الأربعاء، حيث يدل ارتفاع الذهب على كثرة الطلب خلال الساعات القادمة، وهو الأمر الذي ينذر بأن الأسواق تتجهز لتعويم محتمل في قيمة الجنيه خلال الأيام القليلة القادمة.
وارتفع سعر الجنيه وفقًا لبيانات المركزي المصري أمس أمام الدولار إلى 30.6698 للشراء، و30.7757 للبيع.
وصعد سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك الخاصة إلى مستويات الـ 30.77 للبيع. ومستويات الـ 30.72 للشراء.
وسجل سعر الذهب عيار 21 في السوق المحلية مستويات الـ 1755 جنيها للجرام أمس، وذلك بعدما سجل أول أمس مستويات الـ 1665، بارتفاع بحوالي 90 جنيهًا.
توقعات الجنيه
- أفاد تقرير بنك كريدي سويس أن سعر الدولار في مصر سيصل إلى مستويات الـ 35 جنيها. ويرى البنك السويسري أيضا أن تنفيذ برنامج صندوق النقد يعتبر مناسبًا لتحسين الوضع الاقتصادي الحالي حتى وإن تم تنفيذه بشكل جزئي أو متأخر من قبل الحكومة.
- بينما لم يحدد بنك أوف أمريكا (NYSE:BAC) سعرا متوقعًا للدولار، لكنه يرى أن تراجع الجنيه هو الحل العملي لسد فجوة التمويل الخارجية التي تعاني منها مصر في الآونة الأخيرة، حيث توقع تراجعًا كبيرًا دون تحديد نسبة التراجع.
- وفي الوقت نفسه، أكد بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، منذ أيام، أن الجنيه سيتراجع بنحو 10%، قبل نهاية شهر مارس الحالي، ليصل إلى 34، بضغط من تزايد الديون أدى إلى حاجة الدولة إلى عملة أرخص، مع تعاظم عجز الحساب الجاري والنقص الحاد في الدولار. متوقعًا أن تنخفض قيمة الجنيه مرة أخرى في المستقبل القريب، مرجحاً أن يُنهي الربع الحالي دون مستوياته الحالية بنحو 10%.
- فيما تحدثت كارلا سليم، الاقتصادية المختصة بشؤون الشرق الأوسط في بنك ستاندرد تشارترد، عن الوضع الاقتصادي المصري في مقابلة على بلومبرج. وقالت كارلا إن التأخير في توفر الأموال الساخنة قد يدفع الجنيه للهبوط مقابل الدولار إلى مستويات الـ 33-35 لتحفيز الاستثمارات الخليجية للدخول وإعادة الأموال الساخنة من جديد للاقتصاد المصري.
- وكان بنك "إتش إس بي سي (LON:HSBA)" (HSBC) توقع هو الآخر أن يبلغ سعر الدولار مستوى 30-35 جنيها على المدى القصير خلال العام الحالي.
السعر العادل للجنيه.. 24
على الرغم من توقعه بوصول الجنيه إلى مستويات الـ 35 جنيها للدولار خلال شهر مارس الجاري، يرى بنك كريدي سويس أن سعر الصرف الفعلى مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنحو 30% والتي تعادل 23.8 جنيها فقط في المدى طويل، حيث إن القيمة العادلة المقاسة بسعر الصرف الفعلي الحقيقي تشير لارتفاعه خلال 12 شهرًا إلى نحو 24 جنيها للدولار، مقابل تداولاته في السوق الرسمية عند 30.6 جنيها الآن. لكن الأداء السيء السابق للحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية يرجح أن سعر 28 جنيهاً للدولار هو الممكن تحقيقه في 12 شهراً، وفقًا للبنك السويسري.
مشيرًا إلى أن شهادات إيداع الشركات المصرية المدرجة خارجيا تشير إلى تداول الدولار بسعر 33.5 جنيها، أي إنه أعلى بنحو 10% من المستوى الحالي البالغ 30.5. ومع ذلك أكد البنك أن سعر الصرف قد يشهد مزيدا من الضعف على المدى القريب، لكن هناك انتعاشة محتملة خلال الـ 12 شهرا المقبلة.
وأضاف: "أن مستويات إجمالي الديون في طريقها للاستقرار، متوقع أن تبلغ خدمة الدين الخارجي ذروتها عند 29.7 مليار دولار خلال السنة المالية 2025-2024".
ويرى أنه ليس هناك قلق بشأن مستوى الاحتياطيات النقدية مع توفير تمويل من برنامج صندوق النقد بقيمة 3 مليارات دولار، والدعم الكبير من دول الخليج والوكالات المانحة.
لماذا تلجأ مصر للتعويم؟
تلجأ الدول لتعويم عملتها المحلية بشكل عام بفعل زيادة الضغط عليها وتراجع الإيرادات الدولارية للدولة، أو الرغبة في تنشيط الاقتصاد المحلي عن طريق فتح السوق للمستثمرين الأجانب والحفاظ على مصالحهم، وإعادة التوازن في موازين الدولة التجارية والحد من العجز بها، كما تخفض الدول عملاتها بهدف زيادة موارد النقد الأجنبي من أنشطة رئيسية مثل الصادرات والاستثمارات الخارجية المباشرة والسياحة.
كما تلجأ لهذا الخيار الصعب عند الأزمات المالية، والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة واضطرابات أسواق الصرف، بغية تخفيض نسبة العجز المالي، والحد من استنزاف النقد الأجنبي من الخزينة، لكن شريطة أن يكون مؤشر ناتجها المحلي قوياً.
ويقول الخبراء إن نتائج تعويم سعر العملة تتمثل في حدوث قفزات في أسعار السلع، خصوصا المستوردة، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء، وتآكل القدرة الشرائية للمواطن، وزيادة معدلات الجوع والفقر والبطالة، وانهيار في قطاع الصناعة.
وسمح البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه 4 مرات منذ نوفمبر 2016، وذلك باتفاق مع صندوق النقد الدولي، منها مرتان خلال 2022، مارس واكتوبر، ومرة بداية العام الحالي، واسفرت التعويمات الثلاثة التي جرت منذ مارس 2022 عن زيادة سعر الدولار مقابل الجنيه بنسبة تزيد عن 90%.
وكان العام 2022 قاسياً على الجنيه المصري، حيث بدأ الجنيه في التهاوي من 15.75 جنيه للدولار بداية العام، إلى 18 جنيه بعد قرار البنك المركزي بالتعويم الأول في مارس ليفقد 15% من قيمته، كما خضع لتعويم ثان في أكتوبر من نفس العام ليفقد الجنيه 57% من قيمته ويسجل 24.7 جنيه.
ثم خضع الجنيه للتعويم مجدداً في يناير 2023 في إطار تفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 3 مليارات دولار خلال السنوات الأربع القادمة، وبموجب الاتفاق التزمت الحكومة المصرية بتعويم جديد للجنيه -التعويم الرابع- ليصل لأدنى مستوى ويسجل 32 جنيه للدولار، قبل أن يتحسن قليلاً إلى 30.7 جنيه للدولار.