شهد الجنيه المصري حالة من الاستقرار خلال الأسابيع الماضية على عكس توقعات البنوك والمؤسسات الدولية بشأن ضرورة تخفيض قيمة العملة المصري لأسباب مختلفة أشارت لها تقارير عدة.
بيد أن الحكومة المصرية لم تنجرف وراء التقارير التي أشارت إلى وجوب تخفيض قيمة العملة خلال الفترة الماضية، حيث أشار عدد من الخبراء إلى أن السلطات المالية في مصر تترقب الوقت المناسب لتحقيق أقصى استفادة من انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، وذلك باعتبار أن السيولة الدولارية ما زالت غير متوفرة وبالتالي لا جدوى من تخفيض الجنيه الآن.
وفي السطور القليلة القادمة سوف نرصد أسباب تأخر انخفاض الجنيه المصري، بجانب الإشارة إلى توقعات الخبراء بشأن تحركات الجنيه والاقتصاد المصري الفترة القادمة.
الآن كيف تحمي نفسك من تقلبات الأسواق.. وما هي أهم المؤشرات الفنية التي قد تنذرك بما يجب فعله فورًا؟
لمعرفة إجابة هذه الأسئلة.. سجّل الآن حضورك لندوة مجانية نتناول فيها أهم متغيرات الأسواق ونظرة فاحصة للمؤشرات الفنية الهامة للأسواق: رابط التسجيل
لماذا تأخر تخفيض الجنيه؟
يكمن الدافع الأساسي وراء تأخر انخفاض الجنيه المصري هو أن الحكومة تنتظر توافر السيولة النقدية بالعملة الصعبة، والتوقيت المناسب لتحقيق التعويم، بما يضمن سعر صرف مرن قادر على مواجهة سعر الدولار في السوق الموازية وتقليل الفجوة مع أسعار العقود الآجلة غير القابلة للتسليم والتي تخطت منذ أيام مستويات الـ 44 جنيه للدولار الواحد.
بيد أن أحد أهم الأسباب الأخرى التي لم تشجع البنك المركزي المصري على تخفيض الجنيه هو انتظار ما ستسفر عنه الطروحات الحكومية، إذ من المتوقع أن توفر عمليات بيع الأصول المملوكة للدولة سيولة دولارية من شأنها أن توفر استقرارًا بالأسواق بعد تخفيض الجنيه. ويستبعد "جولدمان ساكس (NYSE:GS)" أن يلجأ البنك المركزي إلى أي تحرك لخفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، قبل أن تحقق الحكومة تقدما ملحوظا في ملف بيع الأصول.
وتستهدف مصر جمع ملياري دولار العام المالي الحالي ونحو 4.6 مليار دولار في العام المالي المقبل، لكن التقدم المُحرز بطيء ويعرقله توقعات مزيد من خفض الجنيه، وهناك مؤشرات على إعاقة المصالح المتضاربة لعمليات بيع الأصول.
وفي هذا الإطار أيضًا أشار بنك جولدمان ساكس إلى أن أسباب عدم اتجاه الحكومة المصرية تطبيق سعر صرف أكثر مرونة خلال الأسابيع الأخيرة يرجع إلى عدم جدوى المزيد من التخفيضات في حل الاختلالات الخارجية مع انخفاض قيمة الجنيه بالفعل، كما أن الفائدة على المدى القريب المتمثلة في نمو الصادرات من انخفاض قيمة العملات الأجنبية أمر مشكوك فيه.
وأشار البنك أيضًا إلى أن عدم تخفيض الجنيه يرجع إلى خطر الدخول في دوامة التضخم وخفض العملة، إذ من المتوقع أن يفاقم حدوث المزيد من الضعف في أسعار الصرف الضغوط التضخمية المرتفعة بالفعل، وهو في حد ذاته أمر غير مرغوب فيه لصانعي السياسة المصريين.
وتابع البنك: " لم ترغب السلطات المالية في مصر إلى الانتقال لسعر صرف مرن لأن سعر الجنيه مقوم بأقل من قيمته بالفعل. حيث أدت التخفيضات المتعددة لقيمة العملة على مدار العام الماضي إلى ترك الجنيه المصري أقل بنسبة 25% تقريبًا من "القيمة العادلة" على المدى الطويل على أساس فوري، كما هو مقتبس من متوسط سعر الصرف الفعلي الحقيقي لمدة 10 سنوات (REER).
هل تخفيض الجنيه ضروري؟
تشير تقارير اقتصادية عدة إلى أن انخفاض الجنيه قادم لا محالة، ويرجع ذلك إلى استمرار أزمة شح الدولار، بجانب حاجة الحكومة إلى السيولة لسد العجز المزمن بين الصادرات والواردات. بالإضافة إلى اتساع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر بالسوق الموازي وبالعقود الآجلة غير القابلة للتسليم. فضلا عن عطاءات سندات الخزانة الأخيرة وتدني الحصيلة وكذلك الارتفاع القياسي لأسعار الذهب وسعر سهم البنك التجاري الدولي (EGX:COMI) في البورصة المصرية مقارنة بسعر شهادات الإيداع ببورصة لندن. بجانب أيضًا طلب صندوق النقد سعر صرف مرن يخضع للعرض والطلب.
كل الأسباب السابق ذكرها تشير إلى أن انخفاض الجنيه بات ضرورويًا، ولكن السؤال هو متى يحدث هذا الانخفاض، إذ أن اختيار التوقيت المناسب عامل حاسم في تحقيق الاستفادة المرجوة من تخفيض الجنيه، وهو ما يفسر عدم لجوء السلطات المالية في مصر إلى تخفيض عملتها الفترة الماضية.
وكان مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى جهاد أزعور قد أكد في تصريحات حديثة أن "مرونة سعر الصرف هي أفضل طريقة لمصر لحماية اقتصادها من الصدمات الخارجية".
وفي هذا الشأن، تتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن يصل انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى حوالي 53 بالمائة بنهاية السنة المالية الحالية حتى 30 يونيو 2023، مقارنةً بسعر الصرف قبل 12 شهراً.
وتشير الوكالة إلى أن التأخر في تطبيق سعر الصرف المرن والإصلاحات الهيكلية زاد من الضغط على الجنيه، والمخاطر الاقتصادية، التي تظهر في التخفيضات الحادة بقيمة العملة، وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، بما أدى إلى تخفيض نظرتها إلى مصر من مستقرة إلى سلبية، مع وجود مخاوف من خطر اضطرابات داخلية.
فيما أكدت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إن الاستراتيجية التي تتبعها مصر في بيع الأصول تسير بوتيرة أبطأ من التوقعات ما يؤثر سلبا على سيولة العملات الأجنبية ويفاقم أزمة شح الدولار.
أكدت الوكالة في تقريرها أن هذا البطء في عملية بيع الأصول المملوكة للدولة يزيد من ضغوط انخفاض الجنيه المصري، بجانب المخاطر السلبية المتعلقة بالقدرة على سداد الديون.
وأضافت أن السحب من السيولة الأجنبية، كما يشير مركز صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي، استمر في يناير وفبراير، بعدما كان قد توقف في نهاية 2022.
وبحسب برنامج مصر مع صندوق النقد فإن بيع الأصول هو القناة الرئيسية التي تأمل الحكومة من خلالها سد النقص في السيولة الأجنبية.
توقعات الجنيه والاقتصاد
توقع اقتصاديين استطلعت آراؤهم "رويترز" أن ينخفض الجنيه المصري إلى 34 للدولار بحلول نهاية ديسمبر 2023، وإلى 35 بنهاية ديسمبر 2024 و35.07 بعد ذلك بعام.
ووجد الاستطلاع أن من المتوقع أن يرتفع سعر العائد على الإقراض لليلة واحدة البالغ 19.25%، إلى 19.75% بحلول نهاية يونيو قبل أن ينخفض إلى 18.25% في العام التالي و13.75% في العام اللاحق.
وأظهر الاستطلاع أن الاقتصاد المصري سينمو 4% في السنة المالية الحالية و4.5% في السنة المقبلة، حتى مع تجشم البلاد خفضا مستمرا لقيمة عملتها، وهو ما يتماشى مع توقعات الحكومة للعام الحالي.
وتوقع الاستطلاع أن يبلغ متوسط التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن 24% في 2022-2023 و20.9% في السنة التالية قبل أن ينخفض إلى 9.3% في 2024-2025. وسيكون ذلك أعلى من النطاق المستهدف للبنك المركزي البالغ 5-9%بحلول الربع الرابع من عام 2024 و3-7% بحلول الربع الرابع من عام 2026.