في ظل استقرار سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بالسوق الرسمية منذ 3 أشهر، تبدأ العملة المصرية شهرها الرابع، وهو شهر يونيو، مستقرةً أيضًا أمام العملات الأجنبية، حيث يختلف هذا الشهر عن سابقيه لعدة أسباب نتناولها في هذا التقرير.
تكمن أهمية هذا الشهر في أنه مليء بالأحداث الاقتصادية التي قد تؤثر على سعر الجنيه، بدءًا من عودة الفجوة للاتساع بين السوق السوداء والرسمية، إلى اجتماع المركزي المصري بشأن الفائدة، وأيضًا من المتوقع أن يتم الإعلان عن موعد مراجعة صندوق النقد هذا الشهر، وأخيرًا انتهاء السنة المالية.
مراجعة الصندوق
كان من المفترض أن تتم المراجعة الأولى لبرنامج مصر مع صندوق النقد الدولي في مارس الماضي لتحصل على الشريحة الثانية بقيمة 347 مليون دولار، لكنها تأخرت بسبب استكمال بعض المتطلبات مع الصندوق.
وكان وزير المالية المصري، محمد معيط، قد توقع في تصريحات سابقة، أن يتم تحديد موعد المراجعة قبل بدء شهر يونيو.
وأوضح أنه كان من المستهدف أن تعقد المراجعة في مارس الماضي، لكن تأخرها جاء بسبب ظروف شهر رمضان وعيد الفطر، ثم بدأت اجتماعات الربيع العربي في واشنطن. مشيرًا إلى أن الإجراءات لم تتأخر، لأنه لم يتم الاتفاق بشكل نهائي على ميعاد معين للقيام بالمراجعة الأولى للصندوق.
وأكد الوزير على قدرة الحكومة على سداد الالتزامات والديون الخارجية، مشيرًا إلى أن مصر لديها تحويلات المصريين في الخارج، وقناة السويس، والصادرات، والسياحة التي تحقق مؤشرات جيدة.
وتنفذ مصر برنامج تسهيل ائتماني ممدد مع الصندوق حالياً بقيمة 3 مليارات دولار خلال 4 سنوات، وحصلت على الشريحة الأولى بقيمة 347 مليون دولار نهاية العام الماضي.
وفي هذا الإطار، توقع الخبير الاقتصادي المصري، علي متولي، تأجيل موعد المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي إلى شهر سبتمبر المقبل.
وذكر متولي أن التأجيل سيأتي في ظل شروط لم يتم استيفاؤها، ومن الصعب أن تستوفيها مصر، لأن تطبيقها يعني تدهورا في الوضع الاقتصادي.
وأشار متولي إلى أن مصر نفذت عدة إجراءات لتسهيل المراجعة الأولية وحتى تكون "إيجابية"، وشملت هذه الإجراءات استخدام أدوات السياسة النقدية لمعالجة ضغوط سوق الصرف والتضخم وتعزيز الاستدامة المالية.
ويشير بعض الخبراء إلى أن صندوق النقد يعتبر تعويم العملة شرطًا أساسيًا لإجراء المراجعة الأولى، والتالي فهل نرى تخفيضًا جديدًا في قيمة الجنيه قبل تحديد موعد المراجعة الأولى؟
انتهاء السنة المالية
توقع بنك "سيتي غروب"، في تقرير صدر منذ أسابيع، أن البنك المركزي المصري لن يُقدم على تخفيض قيمة الجنيه المصري على الأقل حتى نهاية شهر يونيو.
وعزا البنك هذه التوقعات إلى أن القيام بخفض حاد آخر للجنيه قبل نهاية السنة المالية المصرية التي ستنتهي في 30 يونيو، قد يعرقل هدف الحكومة المتمثل في عجز الميزانية بنسبة 6.5 بالمئة، واستقرار ديون البلاد بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، حسب تصريحات للمحلل الاستراتيجي في "سيتي غروب"، لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، لويس كوستا.
وهو الأمر الذي يشير إلى أن الجنيه قد يشهد تخفيضًا جديدًا في قيمته مع انتهاء السنة المالية هذا الشهر.
وقال كوستا إن "المركزي المصري سينتظر على الأرجح عائدات السياحة الجيدة بحوالي 14 مليار دولار وأثرها على الاقتصاد، قبل اتخاذ قرار بشأن الحاجة إلى تعويم آخر للجنيه".
وتترقب الأسواق أيضا دخول تدفقات مالية كبيرة من الخارج، مع تنفيذ الحكومة برنامج الطروحات الذي أعلنت عنه لبيع بعض أصولها بما لا يقل عن ملياري دولار.
الفجوة بين السوق السوداء والسوق الرسمية
عادت السوق السوداء للدولار في مصر للحياة مرة أخرى خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك بالتزامن مع صدور تقريري بنك "ستاندرد تشارترد" البريطاني وبنك "كريدي سويس" السويسري.
وكانت السوق السوداء قد شهدت تخبطًا وارتباكًا بين المتعاملين على وقع قرارات وتصريحات حكومية مطمئنة، وتقارير دولية تفيد بأن الجنيه لن يتراجع في القريب العاجل، مما أدى إلى تراجع الدولار في السوق السوداء إلى مستوى الـ 36 جنيه للدولار.
وتوقع تقرير حديث صدر عن بنك "كريدي سويس"، هذا الأسبوع، حدوث تراجعات جديدة بالجنيه المصري خلال الفترة القادمة، إذ عمق البنك السويسري نظرته السلبية للاقتصاد المصري التي أعلن عنها في فبراير الماضي، وذلك بعد أن كانت نظرة محايدة في ديسمبر 2022.
يأتي ذلك بعد أيام من صدور تقرير بنك "ستاندرد تشارترد" يوم الخميس من الأسبوع الماضي، والذي أشار إلى أن مصر بحاجة لسداد حوالي 25 مليار دولار سنوياً على مدى السنوات الأربع المقبلة (2024-2027) بما في ذلك 10.3 مليار دولار مدفوعات لصندوق النقد الدولي، و6.2 مليار يورو للسندات المقومة باليورو "يوروبوند"، وذلك خلال العامين الماليين المقبلين. وأكد البنك الإنجليزي أن مخاطر التمويل السابق ذكرها، والتي ستواجه مصر الفترة المقبلة، من شأنها أن تسبب قلق لدى المستثمرين ووكالات التصنيف الائتمانية.
وعلى إثر هذين التقريرين، شهد الدولار تحركات ملحوظة أمام الجنيه المصري في السوق السوداء، إذ تنتعش السوق الموازية ويرتفع الدولار بها كلما تعززت توقعات هبوط الجنيه من خلال تقارير أو تصريحات تفيد باقتراب تعويم الجنيه.
وتوقع بنك "ستاندرد تشارترد" في مذكرته البحثية بأن الجنيه المصري سيشهد مزيداً من التراجع مقابل الدولار ليصل إلى 38.4 جنيه مقابل الدولار، في ظل ثبات سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري عند 30.9 جنيه لكل دولار منذ مارس الماضي. إذ أدت هذه التوقعات بتراجع الجنيه صوب الـ 38 إلى ارتفاع الدولار في السوق السوداء مرة أخرى ليحوم الآن بين مستويات الـ 38 والـ 39 جنيه للدولار الواحد وذلك بعد أن انخفض إلى مستوى الـ 36 خلال الأيام القليلة الماضية.
وعلى الجانب الآخر، عدل "كريدي سويس" مستهدفه لسعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري خلال 3 أشهر إلى ما يتراوح بين 45 و50 دولار. فيما عدل توقعاته للسعر خلال الـ 12 شهراً إلى ما يتراوح بين 33 و34 جنيه لكل دولار، مشيراً إلى أن هذا السعر يضيف علاوة بين 25 إلى 30% فوق سعر الصرف الفعلي الحقيقي، بشرط أن تنجح الحكومة خلال تلك الفترة في تحقيق تقدم بشأن الإصلاحات.