اخترق البيتكوين مستوى 49,000$ يوم الخميس الموافق 11 كانون الثاني 2024 ليكون أعلى مستوى وصل إليه منذ سنتين, بعد توقع المستثمرين بأن قبول صناديق البيتكوين التداولية سيتبعه دخول مبالغ كبيرة إلى السوق.
وقد كانوا على حق… فصافي دخل البورصة من صناديق البيتكوين المتداولة وصل إلى 655$ مليون في اليوم الأول فحسب, وفقًا لبيانات مقدمة من Bloomberg.
البعض اعتبر موافقة المنظمون الأمريكيون على صناديق التداول وتسهيل الاستثمار في العملة المشفرة الرائدة لعامة الشعب بعد ما يقارب العقد من الرفض إنتصارًا تاريخيًا للبيتكوين.
ولكن البعض الآخر ظن بأن دخول البيتكوين إلى النظام المالي السائد أو إلى الـ "وول ستريت" ينافي رؤية ساتوشي ناكاموتو وكل من يناصر العملات المشفرة كنظام مالي بديل بعيد عن التطفل الحكومي.
فما هي أسباب نشوء البيتكوين… وهل فعلًا يعد دخولها للأسواق المنظمة أمرًا سلبيًا؟
ساتوشي ناكاموتو
ظهرت البيتكوين وسط تبعات الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وهدفت إلى توفير وسيلة آمنة للتعامل المالي دون الحاجة إلى وسيط أو طرف ثالث- أي دون الحاجة إلى البنوك والبورصات.
ساتوشي ناكاموتو هو اسم مستعار لمبرمج (أو فريق من المبرمجين) كان نشطًا على منتديات التشفير الرقمي في أوائل القرن الحادي والعشرين وغالبًا ما كتب عن قلقه حول النظام المالي العالمي والحاجة إلى بديل يتيح لأصحاب المال التحكم الكامل والشفافية في التعاملات.
نالت مكتوباته شعبية كبيرة… وسعى ناكاموتو إلى جعل حلمه واقع.
من نظير إلى نظير
أراد ناكاموتو خلق نظام مالي "لا يحتاج إلى الثقة", أي مخزن للقيمة يعمل مثل المال تمامًا إلا أنه لا يتطلب من المتعامل وضع ثقته في طرف ثالث للاحتفاظ بأمواله أو للقيام بالمعاملات المالية عوضًا عنه… فقد كان ناكاموتو منبهرًا ببساطة المعاملات النقدية.
فالمعاملات النقدية تتم بين البائع والشاري بشكل مباشر ودون الحاجة إلى وسيط للاحتفاظ بالأموال وإرسالها, فمثلًا لا حاجة للبنك لمعالجة المعاملة مما يجعلها بسيطة وسهلة.
تسمى المعاملات النقدية من الشكل أعلاه بـ "معاملات النظير لنظير" (P2P) في عالم العملات المشفرة, حيث أراد ناكاموتو نقل هذه المعاملة البسيطة إلى عالم الإنترنت. إلا أنه اتخذ خطوة أكبر بعدم إستخدام العملات التابعة للحكومات والبنوك المركزية كالدولار واليورو, وقرر استبدالها بعملة البيتكوين التي تحتوي على عرض محدود ولا تنظمها جهة مركزية مما يسمح للسوق بتحديد قيمتها بحرية.
نظام ثقة لا يحتاج إلى الثقة
أدت السياسات المتخذة من قبل البنوك المركزية في الأزمة العالمية لعام 2008 إلى إنعدام الثقة في النظام المالي, وظن العديد بأن الاقتصاد العالمي أصبع معتمدًا على المؤسسات المالية بشكل مفرط.
فقد طرح ناكاموتو حله البديل في وقت مناسب للغاية, وهذا كان سبب أساسي في إرتفاع شعبية البيتكوين والعملات الرقمية ككل.
كان الحل برأي ناكاموتو للتحديات التي يواجهها أصحاب الأموال هو إزالة الثقة من المعادلة كليًا- وكان يقصد بالثقة قدرة البنوك المركزية على حماية قيمة الأموال من التضخم وغيرها من المشاكل الأمنية- واستبداله بما يسمى الإثبات.
نظام إثبات العمل (PoW) قائم على التجزئة, وتستخدمه العديد من العملات المشفرة (وعلى رأسها البيتكوين) لتشفير المعلومات وتوزيعها بشكل آمن، وهذه المعاملات ليست متاحة للبعض فحسب كما هو الحال في النظام المصرفي التقليدي, وإنما كل المعاملات في تاريخ البيتكوين متاحة للجميع ليراها. وعلى الرغم من استطاعة أي شخص رؤية المعاملات، إلا أنه لا يمكن الكشف عن هوية الأطراف فيها لأنها ليس محفوظة على الشبكة.
توجد نسخ كاملة عن المعاملات في جميع أنحاء العالم، مما يجعل من المستحيل عملياً تزويرها أو التلاعب بها, وهذا هو الأساس الجذري لتقنية سلسلة الكتل أو الـ "بلوكتشين".
هل تناقض الصناديق البيتكوين الاستثمارية التاريخ؟
ترقب مستثمري البيتكوين وصول صناديق الاستثمار المتداولة الجديدة لإعتقادهم بأنها ستشرع الأصل في نظرالمستثمرين الأثرياء وتسهل على الأشخاص العاديين الاستثمار بالعملة وبالتالي رفع الطلب ومعه السعر… ولكن المشكلة تقع بأن الصناديق تتعارض مع كل ما تمثله البيتكوين.
في ورقة بيتكوين البيضاء الذي نشرت عام 2009 شرح ناكاموتو رؤيتة للنقودةالإلكترونية التي تنتقل من شخص لآخر بطريقة مباشرة دون الخضوع لأي مؤسسة مالية, مما يعتبرنقد مباشر لوول ستريت وأساليبها… وبالرغم من ذلك اصدرت صناديق الاستثمار المتداولة من قبل أكبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة.
وعمليًا لا يملك المستثمرون عملات البيتكوين التي في الصندوق, بل إنهم يشترون تمثيلًا لها.
فعندما تستثمر في الصناديق المتداول للبيتكوين (وهذا ينطبق على كل الصناديق المتداولة) أنت لا تشتري البيتكوين بشكل مباشر, بل تشتري سهمًا في صندوق يحتوي على البيتكوين… وهذا لتسهيل دخول السوق والاستفادة من التحركات السعرية على المستثمريين التقليديين دون الحاجة إلى شراء العملة وتخزينها بشكل آمن- أي لتفادي الحواجز التكنولوجية.
في الختام
من المحزن أن ملاك البيتكوين لن يكون لديهم بعد الآن رؤية وهدف مشترك بتكوين نظام مالي جديد لامركزي عقب الأزمات الاقتصادية التي كان سببها سياسات مركزية جشعة… ولكن حقيقة الأمر هي أن إدخال العملة الرقمية إلى النظام المالي القديم ضروري لتشريعها بطريقة أو بأخرى وتبنيها من قبل عامة الشعب.
فما رأيك أنت… هل طرح صناديق البيتكوين الاستثمارية في البورصة الأمريكية أمر سلبي أم إيجابي؟