تشهد أسواق العملات المشفرة تحركات متقلبة في ظل التوترات الجيوسياسية والسياسات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على معنويات المستثمرين واتجاهات التداول. خلال الفترة الأخيرة، تراجعت أسعار معظم العملات الرقمية، مدفوعة بالتطورات الاقتصادية العالمية، أبرزها الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة ضد شركائها التجاريين الرئيسيين، وتأثير ذلك على الأسواق المالية والاستثمارات الرقمية.
انعكاسات الحرب التجارية على سوق العملات المشفرة
اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" سلسلة من الإجراءات التجارية التي شملت فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من الصين، في خطوة تصعيدية تهدف إلى تقليل العجز التجاري الأمريكي. وفي المقابل، ردت بكين بإجراءات مماثلة، شملت فرض رسوم على واردات أمريكية مثل النفط والغاز الطبيعي المسال والفحم بنسبة تصل إلى 15%. هذا التوتر أدى إلى اضطراب الأسواق التقليدية، ودفع المستثمرين إلى تجنب المخاطرة، مما انعكس سلبًا على حجم التداول في سوق العملات المشفرة، الذي تراجع بنسبة 20% خلال 24 ساعة إلى 245.57 مليار دولار وفق بيانات "كوين ماركت كاب".
لكن، على الرغم من هذا التراجع، أظهر المستثمرون اهتمامًا بشراء العملات المشفرة التي انخفضت أسعارها مؤخراً، مما ساهم في ارتفاع القيمة السوقية الإجمالية للعملات الرقمية بنسبة 6% إلى 3.25 تريليون دولار، بعد أن لامست أدنى مستوى لها عند 2.99 تريليون دولار. هذه الحركة تشير إلى أن العملات المشفرة بدأت تُعامل كأصول تحوطية يمكن الاستفادة منها في أوقات الاضطرابات الاقتصادية، وهو ما يعكس اتجاهاً متزايداً لاعتمادها كملاذ آمن في أوقات التقلبات.
تحركات البيتكوين وسط هذه التقلبات
على صعيد التحليل الفني، فشل سعر البيتكوين في الحفاظ على زخمه الصعودي فوق مستوى 102,500 دولار، مما دفعه إلى التراجع دون حاجز 100,000 دولار. وبسبب الضغط البيعي المتزايد، اكتسبت العملة زخمًا هبوطيًا أدى إلى كسر مستويات الدعم عند 98,500 و 97,500 دولار.
دفع الدببة السعر إلى ما دون مستوى تصحيح 50% فيبوناتشي للحركة الصعودية الممتدة من القاع المسجل عند 91,000 دولار إلى القمة المسجلة عند 102,500 دولار. حتى أن البيتكوين اختبر دعم 96,500 دولار، حيث يحاول حاليًا التماسك وتجنب المزيد من الخسائر. كما يتشكل خط اتجاه هبوطي جديد مع مقاومة عند 99,000 دولار، مما قد يعيق أي محاولات صعود في الوقت القريب.
في الوقت الحالي، يتداول البيتكوين دون مستوى 98,000 دولار ومتوسط 100 ساعة البسيط للحركة. إذا تمكن من استعادة الزخم الصعودي، فقد يواجه المقاومة الأولى عند 98,000 دولار، تليها المقاومة الأهم عند 99,000 دولار. وفي حال اختراق هذه المستويات، قد نشهد عودة نحو 100,000 دولار، مما يعزز احتمالات اختبار 102,500 دولار ثم 103,500 دولار في حالة استمرار الاتجاه الصاعد.
أما إذا فشل البيتكوين في تجاوز مستوى 99,000 دولار، فمن المحتمل أن يواجه مزيدًا من الضغوط البيعية، مع دعم أولي عند 96,500 دولار، يليه 95,500 دولار، الذي يتزامن مع مستوى تصحيح 61.8% فيبوناتشي. أما في حالة الكسر دون هذه المستويات، فقد يكون الدعم التالي عند 93,750 دولار، وهو مستوى قد يحدد المسار المستقبلي للسعر.
الاستنتاج: هل العملات المشفرة ملاذ آمن أم أصول مضاربة؟
يبدو أن سوق العملات المشفرة يشهد تحولًا في طريقة تعاطي المستثمرين معه، إذ لم يعد يُنظر إليه فقط كأصل مضاربي بحت، بل بدأ يأخذ طابعًا تحوطيًا في ظل الاضطرابات الاقتصادية. ففي حين أن حجم التداول شهد تراجعًا، إلا أن ارتفاع القيمة السوقية الإجمالية يشير إلى استمرار اهتمام المستثمرين بالشراء عند الانخفاضات، وهو ما يعكس ثقة نسبية في الأصول الرقمية كبديل للأصول التقليدية في أوقات التقلبات الاقتصادية العالمية.
مع استمرار السياسات التجارية العدائية بين القوى الكبرى، من المتوقع أن تستمر التقلبات في سوق العملات المشفرة، مما يفتح المجال أمام فرص استثمارية جديدة ولكنها محفوفة بالمخاطر. المستثمرون بحاجة إلى مراقبة تحركات السوق عن كثب، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الاقتصادية والسياسات النقدية التي قد تؤثر بشكل مباشر على اتجاهات الأسعار في المستقبل القريب.