في خضم تقلبات الأسواق العالمية، عاد الذهب مجددًا إلى واجهة المشهد الاقتصادي بعد أسبوع شهد سلسلة من الأحداث السياسية والاقتصادية الحادة، كان أبرزها تصعيد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وصدور بيانات أمريكية قوية أعادت رسم خارطة التوقعات بشأن سعر الفائدة والدولار الأمريكي. هذه التطورات دفعت المعدن النفيس إلى تسجيل أكبر خسارة يومية له منذ مطلع 2025، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية:
هل دخل الذهب في موجة هبوط طويلة؟ أم أن هذه مجرد عاصفة مؤقتة تسبق انتعاشًا جديدًا؟
هبوط حاد يغلق أسبوعًا مضطربًا
أنهى الذهب تداولات يوم الجمعة 4 أبريل 2025 على انخفاض حاد بنسبة -1.23%، ليستقر عند مستوى 3,037 دولارًا للأونصة، بعد أن فقد ما يقرب من 38 دولارًافي يوم واحد. هذا التراجع جاء في أعقاب حزمة من الأحداث المتسارعة، أبرزها:
- فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية بنسبة مختلفة على جميع الواردات الأجنبية، في خطوة وصفها بأنها "دواء لا بد منه لمعالجة الخلل التجاري" – وهي الخطوة التي وُوجهت برد صيني عنيف تمثل في تعريفات مقابلة بنسبة 34%.
- صدور تقرير الوظائف الأمريكي لشهر مارس 2025، والذي جاء أقوى من المتوقع، حيث أضاف الاقتصاد الأمريكي أكثر من 280 ألف وظيفة، بينما تراجع معدل البطالة إلى 3.5% – وهي أدنى نسبة منذ عام 1969.
- ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) بنسبة 0.75%، ما زاد من الضغط على الذهب باعتباره أصلًا مسعرًا بالدولار.
قراءة فنية وسيناريوهات متوقعة
من الناحية الفنية، كسر الذهب خلال الأسبوع الماضي مستوى الدعم الهام عند 3,080 دولارًا، مما فتح الباب أمام مزيد من التراجعات نحو منطقة 2,970 – 2,950 دولارًا للأونصة. ومع ذلك، فإن المؤشرات الفنية قصيرة المدى تُظهر حالة "تشبع بيعي" (Oversold)، مما يرجّح ارتدادًا تصحيحيًا قد يصل إلى 3,070 – 3,100 دولارًا قبل استئناف الاتجاه الرئيسي.
السيناريو الأقرب على المدى القريب:
- افتتاح ضعيف في جلسة الإثنين 7 أبريل 2025، مع احتمالية الوصول إلى 2,970 دولارًا.
- ارتداد صعودي خلال الجلسات التالية يصل إلى 3,070 دولارًا، ثم دخول في حركة عرضية ضمن نطاق 3,000 – 3,050 دولارًا.
العوامل الداعمة للصعود المحتمل
- الذهب لا يزال الملاذ الآمن الأول في أوقات الأزمات، ومع استمرار التصعيد التجاري بين واشنطن وبكين، فإن الطلب على الأصول الآمنة قد يعاود الارتفاع.
- التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق آسيا – لا سيما التحركات العسكرية الأخيرة في بحر الصين الجنوبي – تعزز حالة الحذر في الأسواق.
- السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي: بالرغم من قوة البيانات الاقتصادية، لا تزال الأسواق تتوقع أن يُبقي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع مايو، مما يخفف الضغط على الذهب.
الذهب حاليًا في وضع معقد؛ فبين ضغوط الدولار القوي والتصعيد التجاري العالمي، وبين عوامل الدعم الكامنة في دوره كملاذ آمن، يبدو أن المعدن الأصفر سيظل متأرجحًا في نطاقات حرجة خلال الأيام المقبلة. أما بالنسبة للمستثمرين، فإن الحذر مطلوب، لكن الفرص لا تزال قائمة – خاصة لأولئك الذين يجيدون قراءة توقيتات الدخول والخروج بدقة.