شهدت الأسواق الناشئةزيادة قوية في رؤوس الأموال في شهر مارس، وفقا لمعهد التمويل الدولي، وهي أقوى تدفقات مالية خلال 21 شهراً. وجاءت هذه التدفقات واسعة النطاق وشملت جميع المناطق الرئيسية الأربع.
كما انتعشت أسواق الأسهم في الأسواق الناشئة أيضا بقوة منذ منتصف فبراير، وارتفعت بنسبة 14.3% من مستوياتهاالمتدنية لهذا العام. فهل يعني هذا أن الأسواق الناشئة قد بدأت تتعافى من مشكلات تباطؤ النمو وهروب رؤوس الأموال التي واجهتها في السنوات الأخيرة؟
إن جوابنا على ذلك هو أن أزمةالأسواق الناشئة لم تنته بعد، حيث من المرجح أن تستمر التحديات الهيكلية التي تواجه الأسواق الناشئة، وأفضل تفسير لتدفقات رؤوس الأموال الأخيرة إلى هذه الأسواق هو أنها مجرد ارتداد من مستويات الضعف السابقة.
خلال الشهور السبعة منذ يوليو 2015، خرجت رؤوس أموال قدرها 70 مليار دولار أمريكي من الأسواق الناشئة بسبب المخاوف من ضعف النمو، وتزامن ذلك مع التحديات الهيكلية الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتباطؤ النمو في الصين.
وبلغ خروج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة ذروته في شهر يناير 2016 حيث بلغ 16 مليار دولار أمريكي مع تعاظم الرغبة في تفادي المخاطر في أسواق المال العالمية.
ولكن مع تحسن مزاج المستثمرين تجاه تحمل المخاطر منذ أواسط فبراير، بدأت رؤوس الأموال في العودة للأسواق الناشئة، وبلغت التدفقات المالية الداخلة لهذه الأسواق 5 مليار دولار أمريكي في فبراير 2016، ثم 37 مليار دولار أمريكي في مارس.
كما هبطت أسعار الأسهم بقوة في الأسواق الناشئة في الأسابيع القليلة الأولى من العام، ولكنها انتعشت لاحقاً محققة زيادة بنسبة 2.4% فقط في أسعار الأسهم لهذا العام حتى الآن. وقد جاء أداء بعض أكبر الأسواق الناشئة سيئاً على نحو خاص. فعلى أساس الأسعار المعدلة بالدولار، ما زالت الأسهم الصينية على انخفاض بنسبة 22% للسنة حتى الآن، وانخفضت الأسهم الهندية بنسبة 12%.
كما لا زالت الأسهم البرازيلية على انخفاض بنسبة 8% للسنة حتى الآن، على الرغم من حدوث انتعاش بنسبة 40% منذ منتصف شهر فبراير على خلفية التوقعات بإقصاء الحزب الحاكم عن السلطة، وهو ما يعتقد بأن يكون له مردود جيد على الاقتصاد.
وتواجه الأسواق الناشئة تحديين هيكليين رئيسيين يؤثران سلباً على النمو ومن المرجح أن يستمرا، وهما تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة وتباطؤ النمو في الصين.
وأدى الإعلان عن تخفيض برنامج التيسير الكمي في مايو 2013 إلى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وظروف مالية مشددة في الأسواق الناشئة. فقد واجهت الاقتصادات الناشئة بعد ذلك موجات من هروب رؤوس الأموال، وتراجع قيمة عملاتها، وارتفاع أسعار الفائدة بها.
وتعاني العديد من الأسواق الناشئة من مستويات مرتفعة من الديون المقومة بالدولار الأمريكي. وأدى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتراجع قيمة عملات الأسواق الناشئة إلى زيادة تكلفة تسديد وخدمة هذه الديون، مما أجبر الاقتصادات الناشئة على التوجه نحو التقليل من الاستدانة. وساهمت جميع هذه العوامل في التأثير سلباً على النمو.
يُرجح أن تستمر الظروف المالية المشددة في الأسواق الناشئة. فمن المتوقع أن يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تطبيع السياسة النقدية وكما بيّنا ذلك في آخر تحليل اقتصادي لنا (هل يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في سياساته الميسرة للمدى الذي تعتقد الأسواق؟).
قد يقوم البنك برفع أسعار الفائدة اكثر مما تتوقع الأسواق فعلاً. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى مزيد من موجات هروب رؤوس الاموال وإضعاف عملات الأسواق الناشئة وارتفاع أسعار الفائدة فيها، وهو ما سيعيق تعافي النمو.
والتحدي الثاني الذي يواجه الأسواق الناشئة هو عملية إعادة التوازن للاقتصاد الصيني على المدى البعيد، التي تؤدي إلى تباطؤ النمو في الصين وتؤثر أيضاً على التجارة العالمية. فقد تباطأ النمو في الصين من 10.6% في 2010 إلى 6.9% في 2015 حيث تراجع الاقتصاد من الطفرة الاستثمارية المدفوعة بالقروض المفرطة. وتمثل الصين 30% من الناتج المحلي الإجمالي للأسواق الناشئة، لذلك فإن هذا التباطؤ سيؤدي مباشرة إلى انخفاض النمو في الأسواق الناشئة.
ويؤثر ضعف الطلب أيضاً بشكل كبير على اقتصادات أخرى في الأسواق الناشئة، حيث أدى إلى تراجع أسعار عدد من السلع، وقد أثر ذلك سلباً على الاقتصادات المصدرة للسلع، والتي تعتبر في الأغلب من الأسواق الناشئة. وقد أدى ضعف الطلب في الصين أيضاً إلى تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة التي تعتمد على الصين في الصادرات.
وتسببت هذه العوامل في تدهور الحسابات الجارية، مما صعب عملية تمويل الديون الخارجية وأدى لمزيد من التشديد للأوضاع المالية. ومن بين أكبر 10 اقتصادات ناشئة، تعاني ثمانية من عجوزات في الحساب الجاري، باستثناء الصين وروسيا.
وعلى ذلك فإن من المرجح أن يشكل تباطؤ النمو في الصين تحدياً مستمرا للأسواق الناشئة. حيث من المتوقع أن يتباطأ نموها إلى حوالي 6,5% هذا العام بإجماع توقعات المراقبين. وتعتبر عملية إعادة التوازن للاقتصاد الصيني وتوجيهه نحو الاستهلاك المحلي بدلاً عن الاستثمارات والصادرات تغيراً هيكلياً طويل الأمد.
وبإيجاز، قد يستمر ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وتباطؤ النمو في الصين في عام 2016 في خلق تحديات للأسواق الناشئة، الأمر الذي قد يؤدي إلى استمرار تقلبات الأسواق المالية.
علاوة لذلك، فإن من المرجح أن يتم تطبيع السياسة النقدية في الولايات المتحدة بخطوات تدريجية، كما أن إعادة التوازن للاقتصاد الصيني قد يستغرق وقتاً طويلاً. وعليه، فإن هذه التحديات الكبرى ستعيق تعافي النمو في الأسواق الناشئة خلال المدى القصير أو المتوسط.