Investing.com - في الأشهر الثلاثة الماضية، شهدت السيولة العالمية زيادة ضخمة بلغت 4.7 تريليون دولار، وذلك بعد أن قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تأجيل تطبيع ميزانيته في يونيو.
تزامنت هذه الزيادة مع سلسلة من السياسات التحفيزية الجديدة التي اعتمدتها الاقتصادات المتقدمة، بما في ذلك حزم الاستثمار الضخمة مثل "صندوق الجيل القادم" للاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت خطط إنفاق بعجز هائل.
المعروض النقدي العالمي، المصدر: بلومبرغ
تأثير السياسات التحفيزية على الاقتصادات
على الرغم من هذه السياسات، لم يشهد الاقتصاد زيادة في سرعة تداول الأموال، مما أدى إلى حالة من الركود. فقد استهلكت المشاريع الحكومية والإنفاق العام الأموال بمعدل غير مسبوق، في حين اعتمدت الاقتصادات المتقدمة على خطط إنفاق جديدة ومتزايدة. والنتيجة كانت المزيد من الديون، وضعف النمو الإنتاجي، وتراجع الأجور الحقيقية.
في تقرير حديث لبنك أوف أمريكا، تبين أن ارتفاع الديون غير المنتجة أصبح مشكلة كبيرة في الاقتصاد الأمريكي. فلكل دولار جديد من الدين الحكومي، تقل نسبة تأثيره على الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 50 سنتاً. ومع ذلك، لا يزال هناك نمو في الإنتاجية في الولايات المتحدة، على عكس منطقة اليورو التي تشهد آثاراً سلبية واضحة نتيجة الديون الحكومية المتزايدة. رغم الحزم التحفيزية الكبيرة وأسعار الفائدة السلبية، عانت منطقة اليورو من الركود لسنوات.
تآكل الطبقة المتوسطة وزيادة النفوذ الحكومي
بينما يعتقد البعض أن السياسات الاقتصادية السيئة والإنفاق الحكومي المتهور هما السبب وراء هذه المشكلات، يرى البعض الآخر أن هذه الإجراءات مقصودة، وهي جزء من عملية بطيئة لتأميم الاقتصاد. من خلال استنزاف مدخرات الطبقة المتوسطة بسبب تراجع الأجور الحقيقية، تتوسع الحكومة في نفوذها على الاقتصاد، وتكسب دعم شريحة كبيرة من السكان.
وفي غضون ذلك، تستفيد الأسواق المالية من هذه السياسات، حيث تجلب خطط التحفيز الجديدة المزيد من الطباعة النقدية، ما يزيد من السيولة ويدعم ارتفاع أسعار الأصول، بغض النظر عن ضعف المؤشرات الاقتصادية. لكن هذا المسار قد ينتهي بشكل سيء، حيث يتصاعد السخط بين المواطنين.
أزمات الدين في العصر الحديث
أزمة الديون قد لا تأتي على شكل حدث كارثي كما كان يحدث في الماضي، لكنها تأتي على هيئة غليان بطيء يؤدي إلى نفس النتيجة وهي الفقر. ففي الوقت الذي يحتفل فيه النيوليبراليون بنجاح السياسات الأخيرة، تعاني الطبقة المتوسطة من فقدان القوة الشرائية تماماً كما حدث مع المواطنين اليونانيين في عام 2009.
فعندما تتحدث البنوك المركزية عن "الهبوط الناعم"، فإنها تعني تآكلاً تدريجياً في القوة الشرائية للأجور والودائع، وهو ما نعيشه حالياً، بالإضافة إلى عبء الضرائب المتزايد. بومان تؤكد أنه لا وجود لما يسمى بالهبوط الناعم، بل يستفيد فقط البيروقراطيون الحكوميون والأثرياء الذين يتمكنون من حماية ثرواتهم.
تباطؤ النمو والاستثمارات
الزيادة الأخيرة في المعروض النقدي قد لا تؤدي إلى ارتفاع جديد في التضخم، لكن ذلك يعني استثمارات أقل، ونمواً أبطأ، وانخفاضاً في الإنتاجية. في حين أن الأسواق المالية قد تشهد ارتفاعات جديدة وفقاً لهذه السياسات، فإن الأسر والشركات الصغيرة ستجد نفسها في وضع أكثر صعوبة.
يشير تقرير بنك أوف أمريكا (NYSE:BAC) أيضًا إلى أن السياسات الكينزية قد أثبتت فشلها، حيث أصبحت الحكومات تضيف برامج إنفاق جديدة دون توقف، مدعية أن الاقتصاد على وشك التحسن. هذه السياسات تؤدي إلى استهلاك أغلب الأموال التي يتم خلقها، مما يترك الاقتصاد المنتج يعاني من تراجع الائتمان وتآكل القوة الشرائية للعملة.
وفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الأخير، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم 3.5% مع نمو عالمي بنسبة 3.3% بحلول عام 2025. وتبين أن 80% من دول المنظمة تعاني من تضخم يتجاوز أهداف بنوكها المركزية نتيجة برامج الإنفاق الضخمة. هناك سياسة عالمية تهدف إلى امتصاص ثروات القطاع الخاص والإنتاجي. حيث تعمل الحكومات ببطء على تنفيذ برامج تؤدي إلى تراجع ثروات الطبقة المتوسطة وزيادة اعتماد الأفراد على الدولة. وبالتالي، ستكون النتيجة ستكون طبقة فقيرة معتمدة على الدعم الحكومي.