في مقالنا السابق ( كيف يمكن لتقنية سلسلة الكتل Blockchain أن تخدم البشرية ) تناولنا تقنية سلسلة الكتل وكيف يمكن لها أن تساهم في حل الكثير من المشاكل التي تعاني منها القطاعات المختلفة حول العالم, وأشرنا إلى أن هذه التقنية تمتلك العديد من المميزات التي تجعل منها قادرة على خدمة البشرية.
إحدى تلك المميزات كانت العقود الذكية, لذا سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على هذه التقنية والتعرف على استخداماتها وكيفية عملها, وسأبدأ أولاً بالتعريف بالعقود الذكية بشكل مختصر كما يلي:
العقود الذكية Smart Contract:
تعرف العقود الذكية بحسب موقع investopedia بأنها " عقود ذاتية التنفيذ تبنى وتبرمج في إطار شبكة توزيع لا مركزية (البلوكتشين) تنظم شروطها وأحكامها العلاقة بين البائع والمشتري (قد لا يعرف أحدهما الآخر) دون الحاجة لوجود سلطة مركزية (طرف ثالث), فهي قادرة على توفير الثقة (لكونها غير قابلة للتراجع) في قيام الطرفين بتنفيذ المعاملات وفقاً لشروط وأحكام التعاقد".
من التعريف السابق يمكن تلخيص خصائص العقود الذكية في النقاط التالية:
· عقود آلية تبنى من خلال لغات البرمجة تعمل في إطار تقنية سلسلة الكتل.
· عقود ذاتية التنفيذ ولا تحتاج لتدخل البشر لتنفيذها.
· عقود تلغي الحاجة إلى وجود جهات وسيطة تضمن تنفيذها.
· عقود توفر الثقة والأمان لكلا الطرفين لأنها لا تتيح امكانية التراجع عن تنفيذها.
مساهمة الأيثريوم في تقديم العقود الذكية:
من الصور التقليدية للعقود الذكية هو "انتقال العملات الرقمية بين المستخدمين", حيث إن توافر امكانية تحويل العملات الرقمية بين المستخدمين هو في حد ذاته صورة من صور العقود الذكية, فمن خلال ذلك لا يحتاج المتعاملين في العملات الرقمية إلى طرف ثالث لتسهيل عملية تحويل العملات من مستخدم إلى آخر.
غير أن هذا الأمر والذي كان متاحاً منذ بداية ظهور البيتكوين ليس هو ما أعطى لتقنية سلسلة الكتل (البلوكتشين) ميزة العقود الذكية, بل إن هذه الميزة ظهرت بظهور عملة الايثريوم في عام 2015م. فقد أسهمت ايثريوم في تطوير البلوكتشين من خلال بروتوكول قائم على لغة برمجية مختلفة عن لغة البيتكوين بموجب هذا البروتوكول يمكن للمطورين إنشاء "عقود ذكية" حسب احتياجاتهم الأمر الذي أكسب سلسلة الكتلة ميزة اضافية, فمن خلال اتاحة المجال للمطورين لإنشاء العقود الذكية أصبح بالإمكان القيام بالعديد من العمليات وحل الكثير من المشاكل والتي لم يكن من الممكن القيام بها منذ ظهور أول عملة رقمية (البيتكوين).
بعضاً من استخدامات العقود الذكية:
تنبع أهمية العقود الذكية من أنها تساهم بشكل فعال في إلغاء الحاجة إلى وجود جهات وسيطة (طرف ثالث) تضمن التزام طرفي العقد بتنفيذ شروط وبنود العقد, كما أنها ومن خلال ما أسهمت به ايثريوم فإنها أفسحت المجال لتنفيذ عمليات لا يمكن تخيل تنفيذها بدون وجود العقود الذكية.
لنعد إلى ما ذكرته في مقالي السابق حول توزيع العوائد على المساهمين, تقليدياً تحتاج الشركات التي تصدر الأسهم إلى وقت طويل يمتد لأسابيع لإنهاء عملية توزيع الأرباح على المساهمين, ففي العادة تعلن الشركة أولاً عن موعد محدد لإنهاء كافة عمليات انتقال ملكية الأسهم, ثم تقوم بالتمهيد لعملية توزيع العوائد على المساهمين, بعد ذلك تلجأ إلى جهات مالية وسيطة تسهل من عملية دفع التوزيعات على المساهمين.
أما في حال اللجوء إلى اصدار عملة رقمية بدلاً عن الأسهم (كما هو الحال مع شركة Bankera) فإن هذه العملية لن تتطلب سوى وقت قصير جداً (ثواني معدودة) والفضل بالتأكيد يعود إلى العقود الذكية.
ومن صور استخدامات العقود الذكية هو في مجال التأمين, فمن المعروف بأن الحصول على التعويضات من شركات التأمين قد يأخذ وقتاً طويلاً, لكن مؤخراً ومن خلال العقود الذكية أصبح بالإمكان حل هذه المشكلة.
مؤخراً قامت شركة الطيران الفرنسية AXA بدأت بالاعتماد على ذلك من خلال خدمة Fizzy التي تعتمد بالدرجة الكبيرة على العقود الذكية, آلية عمل ذلك هو انه عندما تتأخر رحلتك عن موعدها لمدة ساعتين فإن تطبيق Fizzy يعطيك اشعار بخيارات التعويض الذي تستحقه بسبب التأخير (باعتبارك تملك تأمين سفر), وبمجرد اختيارك للخيار التعويضي المناسب فإن شركة التأمين تعوضك عن ذلك مباشرة بتحويل المبلغ التعويضي إلى حسابك البنكي وهذه العملية تنفذ وفق احد العقود الذكية المعد خصيصاً لهذا الغرض.
كيف تعمل العقود الذكية:
قبل أن أنهي مقالي هذا لنرى كيف تعمل العقود الذكية, الشكل التالي يلخص آلية عمل العقود الذكية والتي يمكن عرضها بشكل مختصر (بافتراض انشاء عقد ذكي لإتمام عملية بيع سلعة افتراضية) وذلك كما يلي:
يقوم الطرف الأول (البائع) بإنشاء عقد ذكي محدداً فيه الشروط والتي بمجرد تحققها يتم تنفيذ العقد.
بمجرد ما أن يحقق الطرف الثاني (المشتري) لشروط العقد, فإن العقد وبصورة آلية يقوم أولاً بفحص ومراجعة شروط العقد ثم بعد ذلك يقوم بتنفيذ عملية التبادل.
أخيراً يقوم العقد بقيد العملية واضافتها إلى سجلات البلوكتشين وبالتالي تصبح معلومات العملية عامة ومتاحة بصورة دائمة.
كل ذلك يتم آلياً دون الحاجة إلى تدخل بشري وبدون الحاجة أيضاً إلى وجود جهات وسيطة تضمن تنفيذ شروط العقد ..
فشكراً للعقود الذكية.