من يتابع تقلبات الأسواق العالمية وخاصة أسواق العملات والمعادن الثمينة يدرك تماماً أن المعايير الفنية لاتكون كافيةً لمعرفة اتجاه الأسواق , كما أن البيانات الاقتصادية لاتقدم أحياناً تفسيراً واضحاً لكل مايجري . لابد من أن نعود أحياناً لحركة السعر بحد ذاتها التي قد تعطينا في بعض الأحيان تفسيراً أو حتى اشارةً منطقية لمعرفة الاتجاه القادم للعملة أو الأدوات الاستثمارية التي تكون متاحةً للتداول.
منذ نهاية الأسبوع الماضي الى الآن , شهدت الأسواق تقلبات أكثر من الأسابيع التي سبقتها . كان مهماً التصحيح الذي حدث لمؤشر الدولار الأمريكي DXY والذي تراجع من 97.15 نقطة الى 95.10 نقطة أي مايعادل 2% تقريباً . في نفس الوقت ارتفع الذهب من مستويات الدعم القوية عند 1160$ ليصل مجدداً يوم أمس الى 1201.50$ للأونصة محققاً مايقارب 3.3% مكاسب , بينما كان أداء اليورو مهماً مرتفعاً بأكثر من 200 نقطة ليصل مجدداً يوم أمس الى 1.1620$ أعلى مستوياته في أسبوعين . مايهمنا حقيقةً ليست هذه المكاسب والتي كنا قد أوضحنا سابقاً بأن شراء اليورو سيكون خياراً جيداً , مايهمنا الآن هل سيتابع اليورو والذهب هكذا مكاسب ؟
والحقيقة أن جواب هذا السؤال ليس سهلاً , لكن حركة السعر قد لاتكون قوية كفاية لتعزيز هذا الاتجاه الصاعد حالياً , والذي مايزال في بداياته . نعتقد بأن عدم تحقيق الذهب لمكاسب أعلى وعدم اختراقه لمستويات 1200$ يشكل تحدياً لهذا الارتفاع خاصةً أن المشاكل السياسية تحيط بدونالد ترامب من كل الجهات , بينما عاد مجدداً ليفرض رسوماً تجارية على الواردات الصينية بقيمة 16$ مليار ردت عليه الصين مباشرةً بالمثل ولم يرتفع الذهب مجدداً . هذا يعني بشكل أو بآخر أن التوقع بعدم تغيير السيناريو الحالي للاقتصاد الأمريكي يبقى قائماً . محضر اجتماع الفيدرالي الأمريكي أشار الى امكانية رفع الفائدة الشهر القادم أيلول / سيبتمبر وثقه بالاقتصاد ولكن في نفس الوقت اشار الى التحديات الحقيقية التي تسببها الرسوم التجارية وتراجع الاقتصاديات الناشئة وكذلك سوق الاسكان الأمريكي الذي من المهم أن نشير الى أن أرقام مبيعات المنازل تراجعت للشهر الرابع على التوالي , حتى لو كان تراجعاً بسيطاً ! هناك امكانية أن التجميع البطيئ المستمر من مستويات متدنية تحدث حالياً تنعكس في عوائد سندات الخزينة الأمريكية لعشر سنوات التي تراجعت مجدداً الى 2.81% يوم أمس , هذه مهمة جداً لنراقبها ..
هنا لابد أن نشير الى ثلاثة نقاط أساسية مجدداً :
أولاً , التحدي السياسي هو الأهم بالنسبة لقوة الدولارالأمريكي وقدرة أمريكا على المناورة في حرب تجارية بدأتها وقد لا تنهيها. كما أن المشاكل السياسية تتعمق يوماً بعد يوم بشأن ترامب .
ثانياً , نعتقد بأن الأسواق ماتزال تقلل من شأن حقيقة تأثير الحرب التجارية السيئ على الاقتصاد العالمي , وهذا يعني بشكل أو بآخر بطئاً في الكارثة ان حدث , فتراجع نمو الاقتصاد العالمي لن يحدث دفعةً واحدة أو في يوم واحد .
ثالثاً , الحرب التجارية لاتخلق طلباً قوياً على الذهب , بل على العملات الأكثر أماناً ( الين الياباني والفرنك السويسري) بينما سيكون تراجع اليوان مقابل الدولار الأمريكي محوراً أساسياً في بقاء الذهب تحت الضغط.