يبدو أن أشهر الصيف هذا العام لم تكن هادئة كما تعودت الأسواق بل كان صيفاً حاراً مشغولاً بالدولار الأمريكي الذي لطالما كان حديث المضاربين والمستثمرين على حد سواء. منذ نيسان / أبريل الفائت لم يتوقف مؤشر الدولار الأمريكي عن تحقيق المكاسب ووصل قبل عدة أيام الى 97.15 نقطة , الأعلى منذ أربعة عشر شهراً . كانت عملات الأسواق الناشئة هي المتضررالأكبر(الليرة التركية , اليوان الصيني , الروبية الهندية وغيرها). يمكننا القول بأن هذه الارتفعات لم تكن مصادفة بل كانت انعكاساً لعوامل فنية وأساسية .
أولاً , ان قوة مؤشر الدولار الأمريكي لم تستعد زخمها الا منذ أربعة أشهر بعد أن كان قد فقد قرابة 13% من قيمته خلال العام الفائت متراجعاً من 103 نقطة الى 89 نقطة مع بداية العام الجاري . اذاً هناك عوامل فنية مرتبطة بتشبع بيع هذه العملة ووصلوها الى نقاط دعم هامة للغاية هي الأدنى منذ عام 2015 .
ثانياً , ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية عن غيرها من بقية دول العالم وخاصة الاقتصاديات المتقدمة وسّع الفارق لصالح العوائد الأمريكية على الأصول المقومة بالدولار الأمريكي ( الفائدة الأمريكية حالياً عند 2% , بينما بريطانيا 0.75% ومنطقة اليورو 0.0%).
ثالثاً , لاشك بأن أداء الاقتصاد الأمريكي فاجأ الكثيرين بقدرته على الاستمرارية بهكذا زخم في سوق العمل ومستويات الأجور , معدلات التضخم والاستهلاك الداخلي اضافةً لمبيعات التجزئة وأرقام التصنيع والاسكان , بالمجمل يؤدي الاقتصاد الأمريكي واحداً من أفضل أرقامه منذ تسعينيات القرن الماضي .
رابعاً , لابد أن نأخذ بعين الاعتبار عوائد سندات الخزينة الأمريكية التي وصلت قبل ثلاثة أشهر الى 3.10% على سندات العشر سنوات, وهي حالياً عند 2.84% . تراجع هذه العوائد يعني ارتفاع الطلب على شرائها , سبب آخر قد يبقي الدولار الأمريكي بوضع جيد.
لنتذكر جميعاً بأن السياسة تعلب دورها منذ أن قدم دونالد ترامب للبيت الأبيض .هنا لابد أن نشير الى نقطتين هامتين للغاية :
أولاً , حتى يبدأ الاقتصاد الأمريكي بالتراجع ويدخل تصحيحاً بدورة اقتصادية جديدة قد يلزمه وقت ( ربما ليس قبل سنة من الآن ) , وبالتالي لا يجب علينا أن نبالغ بتراجع قاسي بل بتصحيح تدريجي كمعيار اقتصادي وفني .
ثانياً , لن يتوقف ترامب عن ممارسة الضغط على الفيدرالي لتخفيف ديناميكية رفع أسعار الفائدة والحد من سرعة ارتفاعها لعوامل سياسية مرتبطة بقدرته على المناورة التجارية مع اليابان والصين والأوربيين .
بالمجمل هو زخم قوي للدولار الأمريكي قد يتباطأ خلال المرحلة القادمة ونرى ارتفاعاً على بعض العملات الرئيسية وخاصة التي ماتزال في بداية دورة رفع الفائدة (اليورو مثلاً) . بينما الاتفاق التجاري مع الصين سيدعم الدولار الاسترالي تدريجياً علماً أن الفائدة في استراليا حالياً من الأعلى بين الاقتصاديات المتقدمة عند 1.5% , وكان الدولار الاسترالي قد وصل قبل عدة أيام الى 0.7209$ الأدنى منذ ديسبمر / كانون الأول 2016 . لنراقب التطورات التجارية جيدأً فهي مهمة للغاية .